تلعب القوارض دوراً هاماً في نشر كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوانات الأليفة

تلعب القوارض دوراً هاماً في نشر كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوانات الأليفة

0 reviews

المقدمة:

تلعب القوارض دوراً هاماً في نشر كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوانات الأليفة. وغالباً ما ينخفض خطر انتقال المرض إلى حد كبير عن طريق مكافحة تجمعات القوارض المقترنة بذلك المرض ومراقبتها.

غير أنه لسوء الحظ لم يتم حتى الآن الانتفاع بصورة فعالة من التحسينات المختلفة التي أدخلت على الأساليب الفنية لمكافحة القوارض، وخصوصاً في عديد من البلدان النامية، وهي التحسينات التي تحققت في العقدين الأخيرين.

هناك العديد من أوجه القصور في المعلومات المتاحة حول فعالية مختلف الأساليب الفنية للمكافحة. ولإثارة الانتباه إلى أوجه القصور هذه وإلى طرق استخدام المعلومات الموجودة على نحو أنفع.

نبذة عامة:

تدعم الوثائق الارتباط التاريخي بين الثدييات البرية، وخاصة القوارض، وبين بعض الأمراض الوبائية التي تصيب الإنسان، وواضح أن هذه العلاقة كانت مفهومة بشكل عام قبل أن تؤدي التطورات العلمية التي حدثت في القرن التاسع عشر إلى اكتشاف الدورات المعدية والأدوار المعقدة التي تلعبها مستودعات المرض وناقلاته والعوامل المسببة له بعدة قرون. 

وكان الطاعون أشهر هذه الأمراض الوبائية، كما كان لحالات التفشي الرئيسية له كوباء نفس الأثر العميق الذي أحدثته عبر مجرى التاريخ الإنساني الأمراض التي تنقلها الحشرات مثل الملاريا، والحمى الصفراء، والتيفوس الوبائي.

وفي البلدان المتقدمة يعرف الكثير عن طبيعة انتقال العديد من هذه الأمراض وقد تم التوصل إلى سبل فعالة لمكافحتها. إلا أن ثمة فجوات خطيرة تعتور معرفتنا للجوانب الهامة للطبيعة الحيوانية المنوطنة لمثل هذه الأمراض في البلدان النامية فيما يتعلق ببيئة وتصنيف حاضنات القوارض وطفيلياتها الخارجية. 

الأمراض البكتيرية:

الطاعون:

من بين فصائل القوارض المعروفة بارتباطها الوثيق بالطاعون فصيلة اليرابيع (Gerbillinae) (اليربوع الصغير Meriones، والرومبوميس Rhombomys، والططرة Tatera، وغيرها من الأجناس) في آسيا وإفريقيا، وفصيلة الكريستينيات (Cricetinae) في أمريكا الشمالية والجنوبية (الأوريزوميس، والنيوتوما، وغيرها) وآسية الوسطى (الكريستوس)، وفصيلة ذوات الأذن الصغيرة، (الأصمع، والألوبيوس) في أمريكا الشمالية ووسط وشمال آسيا، ومجموعة كبيرة من فصيلة الفأريات (الفأر الأسود والقنفذ، وجرذ الحقول، والبند قوط، والجرذ، والماستوميس، ... الخ) في جميع أنحاء إفريقيا وجنوب شرق آسيا والمناطق الأخرى التي جلب إليها الفأر الأسود، وفصيلة السنجابيات في آسيا وأمريكا الشمالية (السيتلوس، والمبرموط ، والفونامبولوس، والكينوميس، والسناجيب الأرضية الأخرى) وفي أفريقيا وأمريكا الجنوبية (سناجيب الأشجار المعروفة بسنجاب أفريقية كزيروس والسنجاب سكوروس)، وقد أبلغ أن بعض الفصائل الأخرى (الأوتومينيات، والدندرومينيات، والديبوديديات، والهيتروميديات، والكابياء، والأكيسيديات) مصابة بالعدوى بطبيعتها أو أن طفيلياتها الخارجية قد ثبت احتواؤها على الكائنات المسببة للطاعون. والأرنبيات (الليبوس، والسيلفيلاجوس) كذلك من مستودعات الطاعون في إفريقيا، وأمريكا الشمالية والجنوبية، وأجزاء من آسيا الوسطى.

وعموما فإن حوالي مائتي نوع من أنواع القوارض أو أكثر تمثل جميع الفصائل الرئيسية في العالم أجمع يمكنها أن تأوى الطاعون بطبيعتها، وتختلف هذه الأنواع في أهميتها من حيث التسبب بالمرض لأن بعضها أكثر قابلية للإصابة من البعض الآخر. ويتضمن أحد تفسيرات التفشي الدوري للطاعون، وخاصة في سهول الستيبس بآسيا الوسطى، تفاعل نوعين متواجدين معا من اليرابيع (اليربوع الصغير عادة)، أحدهما قادر على مقاومة الإصابة إلى حد ما ويعمل مستودعاً أولياً للمرض بينما يتميز الآخر بقابلية عالية للإصابة. وينشر النوع ذو القابلية للإصابة المرض عندما تكون كثافته العددية عالية. وعقب الانخفاض السريع في أعداد النوع ذي القابلية للإصابة تستمر العدوى في النوع القادر على المقاومة بينما تشفى الأعداد ذات القابلية للإصابة وتعود إلى النمو.

وهذا الافتراض أقل إقناعاً بالنسبة للمناطق الاستوائية حيث لا تحدث تذبذبات حادة في أعداد تجمعات القوارض من عام إلى عام وحيث تتوزع الدورات التناسلية بشكل أكثر تساويا على مدار العام. ورغم أن ظاهرتي القابلية والمقاومة تلعبان دون شك دورا هاما في نقل الطاعون حتى في المناطق الإستوائية، فإنه توجد اختلافات في أنماط الحركة والإيواء بين القوارض في كل من المناطق الاستوائية ومناطق سهول الستيبس، كما أن انتشار العدوى من البؤرات الطبيعية للمرض إلى فئران المنازل (الفأر الأسود) ومنها إلى الإنسان قد يتأثر بخصائص سقوط الأمطار  وكذلك بالأعمال الزراعية وأنماط السلوك البشري الأخرى في الإقليم.

 وتقوم منظة الصحة العلامية بدراسة بيئية (إكلوجية) في أواسط جاوا تستغرق ثلاث سنوات لتحديد أدوار القوارض والبراغيث تحديدا دقيقا في الإبقاء على الطاعون في الطبيعة، ومدى احتمال وجود العوامل المقترنة بنقل هذا المرض للإنسان. وقد تم الانتهاء من عمل سنتين فعلا، ويؤمل أن تؤدي الدراسة إلى فهم أفضل لطبيعة الطاعون المتوطن في المناطق الاستوائية.

كما أن تنوع مواطن القوارض التي تتراوح بين الغابات الاستوائية وبين الأقاليم الصحراوية والعدد الكبير من أنواع القوارض الناقلة للطاعون، مسئولان عن ضآلة معرفتنا ببيئة القوارض التي تعمل كمستودعات للطاعون.

ورغم أن بؤرات الطاعون قد تكون هامدة، فإن بعض المشكلات الصحية العامة تظل قائمة، وتدعم هذا الرأي الشدة التي اتسمت بها بعض تفشيات المرض في الماضي. وما زالت هناك بؤرات ناشطة للمرض في أمريكا الجنوبية (البرازيل، والإكوادور، وبيرو)، وفي إفريقيا (تنزانيا، وزائير)، وفي جنوب شرق آسيا (بورما وفيتنام)، وفي مناطق أخرى يتوفر بشأنها المزيد من المعلومات (مثل إيران والولايات المتحدة وروسيا).

ورغم أن بيئة الثدييات والبراغيث ليست هي الجانب الهام الوحيد لبحوث الطاعون، فسوف تؤدي الدراسات البيئية إلى معرفة أفضل بالتذبذبات في كثافة التجمعات وتحركاتها والظواهر المرتبطة . وسوف يوكن لهذا قيمته الكبرى في إثبات ما إذا كانت مراقبة القوارض ذات أهمية عملية في التنبؤ باحتمالات تفشي الطاعون.

ولحسن الحظ فإنه يمكن علاج الطاعون البشري بنجاح بالمضادات الحيوية، ولكن تكلفة المراقبة والمعدات الطبية كبيرة في البلدان النامية حيث تتنافس برامج مكافحة الأمراض الأخرى كالكوليرا والملاريا على الموارد المالية المحدودة.

الداء التولاري Tularaemia

الداء التولاري، كالطاعون، مرض طبيعي بالنسبة للقوارض والأرنبات (lagomorphs) ويصيب الإنسان أيضاً. وتتباين سلالات فرانسيسلا تولارنسيس المتعددة تباينا كبيرا من حيث درجة شدتها بالنسبة للإنسان، ويرتبط هذا التباين جزئياً بالطريقة النوعية لنقل المرض. وقد ينتقل الداء التولاري من القوارض إلى الإنسان بوساطة مفصليات الأرجل الماصة للدم (الحلم، والقراد، والذباب، والهاموش، والبراغيث، والبعوض)، عن طريق ملامسة الثدييات الحية المصابة، أو جثتها، أو اللحم الذي لم ينضج نضجاً كافيا. ولا تقتصر إصابة الإنسان بهذا الداء على أجزاء بعينها من العالم. ففي أمريكا الشمالية تقترن الأرانب البرية بمعظم حالات الداء التولاري التي أبلغ عنها، ولكن الأصمع والأرفيكولا هما ناقلا المرض الغالبان في آسيا الوسطى وأوروبا. 

وقد أدت إزالة الغابات في أوروبا وآسيا الوسطى من أجل إفساح المجال أمام المراعي والمروج إلى زيادة مساحة الموطن المتاح للأصمع في تلك المناطق نظرا للارتباط الوثيق بين ديناميات الأعداد المكونة لتجمعاته، وهي نفسها من المحددات الرئيسية للأوبئة الحيوانية، وبين الأنشطة الزراعية.

أن الداء التولاري يتسبب في إصابة الإنسان بالمرض، فإنه يمكن أن يكون عاملا رئيسيا في تنظيم أعداد تجمعات القوارض، ونظرا إلى ارتباط توزيع القوارض كمستودعات للمرض ارتباطا وثيقا بالأعمال الزراعية، وخاصة في أوروبا وآسيا، فإنه قلما توجد أمثلة أفضل على الارتباط الوطيد بين قوارض الحقل، والأنشطة البشرية، والأمراض الحيوانية التي تنتقل للإنسان.

الأمراض الفيروسية:

حمى لاسا:

بسبب الإصابة بهذا المرض فيروس عزل لأول مرة من المرضى من البشر في غرب إفريقيا ، ويرتبط العامل المسبب للمرض، كمولد للمضاد، بكل من فيروس ماتشوبو، وهو العامل المسبب للحمى النزفية البوليفية، والفيروسات الأخرى المعروفة بارتباطها بالقوارض.

 وفي أحد التقارير الحديثة أبلغ عن تفشي هذا المرض في سيراليون حيث كان معدل الإصابة الشامل 2.2 في الألف بين السكان ومعدل الوفاة 38 % بين المرضى الذين أدخلوا المستشفيات.

وقد تم الحصول على فيروس لاسا المعزول من فأر الماستوميس ناتالسنيس (Mastomys matalensis) ، وهو الفأر المتعدد الأثداء المعروف كأحد مستودعات الطاعون في  المناطق القاحلة في جنوب وشرق إفريقيا ويشار إليه باعتباره مستودعا لمرض آخذ في الظهور حديثا على ما يبدو في مناطق غابات غرب إفريقيا. ولا تتوفر المعلومات بدرجة كافية حول بيئة هذا القارض، وأنماط تجمعاته، والتوزيع الموسمي له في غرب إفريقيا. ورغم أنه تم تسجيل انتقال المرض من إنسان لإنسان، إلا أنه لم نعرف بعد كيفية استمرار الإصابة به في تجمعات القوارض، وما إذا كان السبب في ذلك ناقل مرض من مفصليات الأرجل.

الحمى النزفية البوليفية (Bolivian haemorrhagic fever):

يرتبط العامل المسبب لهذا المرض، كمولد للمضاد، لفيروس لاسا .

وقد تبين أن أحد القوارض ذوات الكيس الوجني بأمريكا الجنوبية وهو الكالوميس كللوسوس ( Calomys callosus) مصاب إصابة مزمنة، وأن الفيروس الذي يفرز في البول بوساطة أفراد القوارض المعايشة يتم انتقاله إلى الإنسان ربما عن طريق تلوث الطعام تلوثا مباشرا. 

الحمى النزفية الكورية (Korean haemorrhagic fever):

بلغت الإصابة بهذا المرض نسبا وبائية في أوائل الخمسينات بين الأفراد العسكريين المتمركزين في جنوب كوريا. وفشلت المحاولات المتكررة لعزل أحد الفيروسات من المرضى من البشر، وقوارض الحقل، وناقلات المرض المفصلية الأرجل المشتبه فيها. ويبنى الاعتقاد بأن المرض يرجع إلى أصل فيروسي وأن القوارض تقوم بنقله، على أوجه الشبه بين المظاهر الإكلينيكية للمرض وبين الأمراض النزفية المعروفة الأخرى التي تسببها الفيروسات والقوارض. ومنذ عام 1972م يقوم فريق للأبحاث تابع لمنظمة الصحة العالمية بمعالجة هذه المشكلة. 

السعار (داء الكلب) Rabies:

رغم أن السعار مرض ينتشر أصلاً بوساطة الحيوانات آكلة اللحوم، البرية والأليفة، فقد تزايد في السنوات الأخيرة وضوح الدور الذي تلعب الخفافيش في نقل هذا المرض وخاصة في الأمريكيتين. وقد تم في أوروبا في السنوات القلائل الماضية عزل عدد من سلالات الأشكال المختلفة لفيروس السعار لدى القوارض وذلك من خفافيش الأبوديموس فلافيكوليس (Apodemus flavicollis)، والكليثريونوميس جلاريولوس (clethrionomys glareolus)، والميكروتوس أرفاليس (Microtus arvalis). ولا يوجد دليل يربط بين هذه الملاحظات وبين مرض السعار عند الثعالب، وهي ناقل المرض ومستودعه الرئيسي في أوروبا، أو عند أي نوع من أنواع الحيوانات الأخرى. ومع ذلك فإنه لا يمكن تجاهل الوجود المحتمل لبؤرة طبيعية لأشكال مختلفة من فيروس السعار في القوارض.

التيفوس الخبيث (Scrub typhus):

يعتبر مرض التيفوس الخبيث الأكثر انتشاراً بين الأمراض التي تسببها الريكتسيات في الإنسان. وقد ثبت أن القوارض من الحاضنات الهامة الناقلة للتيفوس الخبيث الذي تسببه ريكتسيات تسوتسوجاموشي (Rickettsia tsutsugamushi). وعادة ما تكون ناقلات المرض يرقات (قراد الحصاد) حلم العث الأحمر، وبالذات من جنس لبتوترومبيديوم (Leptotrombidium). وقد عم الاقتراض بأن قراد الحصاد يمكن أن تصاب من جراء تغذيها على القوارض المصابة، وإن لم يقم الدليل على هذا الافتراض بعد.

ويمتد نطاق هذا المرض من حالات إصابة الإنسان به، من اليابان غير الصين وجزر تايوان، والفلبين، وغينيا الجديدة، على امتداد هذه المساحة إلى أستراليا الاستوائية (كوينزلاند)، وغربا عبر الهند وأجزاء من باكستان، وربما إلى التبت، وأفغانستان، والأجزاء الجنوبية من الاتحاد السوفيتي. ويتبع توزيع المرض بشكل وثيق توزيع مجموعة الفئران السوداء (Rattus rattus) . 

إن بعض الحاضنات الأخرى مسؤولة عن هذا المرض في اليابان وفي بعض أطراف مناطق انتشار المرض الأخرى.

وفي معظم مناطق انتشار التيفوس الخبيث  ارتبط هذا المرض لدى الإنسان بالمواطن التي يجري الإنسان فيها التغييرات. ويعتقد أنه شديد الاستيطان في البؤر المحدودة المعروفة باسم " جزر التيفوس " أو " جزر الحلم". ويتميز المرض في بعض مناطق انتشاره بتفشياته الموسمية، وقد أبلغ تروب وويزمان عن حدوث بعض التغيرات في عدد حاضنات المرض وناقلاته في ماليزيا نتيجة لما يطرأ على مواطنها من تغيرات بصورة مرتبطة بالزمن.

المرجع:

بيئة وطرق مكافحة القوارض في حقل الصحة العامة

تقرير أعدته إحدى المجموعات العلمية التابعة لمنظمة الصحة العالمية

سلسلة التقرير الفنية رقم 553  جنيف، سويسرا 1974م 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

258

followings

590

followings

6657

similar articles