من 20 إلى 30 مريضا يوميا في مستشفى الأمراض العقلية

من 20 إلى 30 مريضا يوميا في مستشفى الأمراض العقلية

0 reviews

دمشق- "انتابني صداع قوي وغير مألوف، وفقدت شهيتي بالكامل، ولم أتمكَّن إلا من تناول بعض المشروبات الساخنة طيلة 5 أيام، كنت أفكر خلالها في مخرج من ورطتي التي وجدت نفسي فيها، وبنهاية اليوم الخامس -ومع استنفادي جميع الخيارات- انهرت تماما نتيجة انخفاض حاد في ضغط الدم".

بتلك الكلمات، يصف أسامة (34 عاما) -نازح سوري إلى ريف دمشق- للجزيرة نت ما حدث معه عندما أخبره مالك الشقة التي يستأجرها -مستغلا عدم وجود عقد إيجار- بأن عليه هو وعائلته المكونة من 3 أفراد إخلاء الشقة أو مضاعفة إيجارها ليتلاءم مع موجة غلاء الأسعار التي شهدتها مناطق سيطرة النظام مطلع العام الجاري.

وبعد بحث دام لأسبوع، لم يجد أسامة شقة مقابل إيجار "معقول" كالذي كان يدفعه لصاحب الشقة القديمة، يقول "بحثت في معظم مدن ريف دمشق، وكانت الأسعار خيالية ومعظمها يفوق بدل الإيجار الذي كنت أدفعه بضعف المبلغ أو ضعفيه، ولم يكن بإمكاني حينها دفع أكثر من 50 ألف ليرة سورية (الدولار يساوي حوالي 4 آلاف ليرة سورية) وهو نصف مرتبي الشهري تقريبا".وبعد أن فقد الأمل في إيجاد شقة بديلة بالوقت المحدد، وتلقيه تهديدا من صاحب الشقة القديمة بأنه سيخرجه من المسكن ولو بالقوة، دخل أسامة في حالة من الاكتئاب وفرط التفكير لمدة 5 أيام لينتهي به المطاف بأحد المستشفيات الخاصة، بعد سقوطه أرضا نتيجة هبوط حاد في ضغط الدم، حسبما بيَّن له الطبيب الذي اكتفى بوصف بعض الأدوية المهدئة.

ويعاني السوريون بشكل متزايد -في مناطق سيطرة النظام- من اضطرابات نفسية نتيجة تردي الواقع المعيشي والخدمي باطراد منذ ما يزيد على 11 عاما، حيث تبلغ نسبة الفقر 90%، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية.

ومن جهته، أكد مدير مشفى ابن سينا في دمشق أيمن دعبول -خلال لقاء مع إذاعة "شام إف إم" شبه الرسمية- أن المشفى يستقبل مؤخرا أعدادا كبيرة من المرضى المصابين بجميع الحالات العقلية والنفسية، مشيرا إلى أن الأمراض الأكثر شيوعا هي الذُهان والهَوَس والإدمان والاكتئاب.وأضاف دعبول -في حديثه للإذاعة- أن أكثر المرضى الذين يزورون المستشفى يعانون من الاكتئاب، وأن المستشفى يستقبل يوميا من 20 إلى30 مريضا، مرجعا هذه الزيادة في حالات الاضطراب العقلي والنفسي إلى عاملين: أولهما "الضغط والعامل النفسي"، وثانيهما "الوضع الاقتصادي الصعب".

وكشف دعبول عن أن هناك العديد من المرضى الذين يقومون بادعاء المرض للتهرّب من مُساءلة أو قضية ما، كالنصب والخدمة العسكرية الإلزامية، إضافة للنساء اللواتي يرغبن في الطلاق فيلجأن إلى المستشفى للهرب من أزواجهن.

وحسب دعبول، يوجد في المستشفى مرضى لم يسأل عنهم ذووهم منذ 30 عاما، وأن كثيرا من الحالات التي لا يقبلها المستشفى أو التي تصبح مؤهلة للخروج بعد تماثلها للشفاء لا يقبل الأهل خروجها، وذلك للتهرّب من مسؤولية العناية بها.وأشار دعبول إلى أن مستشفى ابن سينا في دمشق يستقبل الحالات "الشديدة" فقط، وذلك لقلة اختصاصيي الطب النفسي والكوادر العاملة فيه، خاصة بالنسبة للممرضين الذكور، حيث إن أغلب كادر التمريض من الإناث ويصعب عليهن التعامل مع الحالات المصابة باضطرابات عقلية.

في حين يؤكد الدكتور مهران -اختصاصي أمراض نفسية وعقلية من دمشق- في حديثه للجزيرة نت أن الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد وانعكاساته على الواقع المعيشي هو السبب الأكثر تأثيرا في انتشار أمراض الاكتئاب على اختلاف شدّتها، إذ إن "الضغوط الناجمة عن خوف الأسر السورية من عدم إمكانية تأمين معاشهم اليومي تعد واحدة من الضغوطات الأكثر تأثيرا على صحتهم النفسية".

ويضيف الدكتور مهران "الأطباء والاختصاصيون يقفون عاجزين أمام هذه الحالات؛ لأن جذرها لا يكمن في عدم قدرة المريض على التعامل مع آثار ناجمة عن واقع يمكن مغالبته أو هزيمته، ولكن مع واقع يفوق قدرة المريض على تجاوزه".وتجدر الإشارة إلى أن هناك مشفيين فقط للأمراض العقلية والنفسية في سوريا، وهما مشفى ابن سينا ويغطي 7 محافظات، ومشفى ابن خلدون الخاص بمحافظة حلب والمنطقة الشمالية، إضافة إلى وجود شعبة فرعية في مشفى المواساة، وشعبة ابن رشد في دمشق.وأشار أيمن دعبول أبريل/نيسان الماضي -عبر حوار إذاعي- إلى أن عدد الاختصاصيين النفسيين لا يتجاوز 45 طبيبا في سوريا بأكملها، في حين تحتاج البلاد -حسب تعداد السكان- إلى نحو 10 آلاف طبيب نفسي بالحد الأدنى.

وأرجع دعبول النقص المتزايد في الكوادر الطبية لتخصصات الأمراض النفسية والعقلية في سوريا إلى عاملين: مادي واجتماعي، حيث يبتعد الأطباء عن هذا التخصص نتيجة تدني الأجور بعد التخرج، إضافة للوصمة الاجتماعية التي يمكن أن تلحق بالأطباء في هذا المجال.في حين يرى الدكتور مهران -في حديثه للجزيرة نت- أن الأمر يعود بشكل مباشر إلى عدم تطور المشافي والاختصاص في البلاد، وإلى رغبة أطباء هذا المجال في الهجرة إلى الدول التي تولي لهذه التخصصات اهتماما متناسبا مع أهميتها، إضافة إلى الأجور المناسبة التي يمكن أن يتقاضاها الطبيب النفسي في تلك الدول.

وأشار إلى أن كثيرا من الأطباء النفسيين اتخذوا قرارا بالهجرة خارج البلاد بعد اشتعال الحرب وانهيار الاقتصاد وتدني قيمة الليرة بشكل كبير أمام العملات الأجنبية.وبلغ نقص الكوادر الطبية في مستشفى ابن سينا للأمراض العقلية منذ بداية العام الحالي حدا كبيرا، إذ لا يوجد في المستشفى اليوم سوى طبيبين مقابل 480 مريضا، بينما تحتاج المستشفى إلى 30 طبيبا وإلى تغطية النقص الكبير في كادر التمريض، حسب دعبول.

وتشير تقديرات نُشرت في بحث ضمن مجلة الصليب الأحمر الدولية -حمل عنوان "الصحة النفسية إبان الأزمة السورية: كيف يتعامل السوريون مع الآثار النفسية؟" عام 2019- إلى أن نحو مليون سوري (4% من السكان) يعانون من اضطرابات نفسية شديدة، و5% من السوريين يعانون من اضطرابات نفسية متوسطة الشدة، وأن نحو 90% من حالات الاضطراب لا تخضع للمتابعة نتيجة لنقص الاختصاصيين.

بينما كشف ممثِّل منظمة اليونيسف في سوريا، بو فيكتور نيولند، أن ثلث الأطفال في سوريا تظهر عليهم علامات الضيق النفسي، بما في ذلك القلق والحزن والتعب أو اضطرابات النوم المتكررة.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة