ما هي الراحة النفسية وكيف نصل أليها

ما هي الراحة النفسية وكيف نصل أليها

0 المراجعات

الجميع بلا أي استثناء يبحثون عن الراحة النفسية، هذا لأن المشاعر السائدة عالمياً هي الحزن والكآبة، أما لخوف وقلق بسبب الاضطرابات السياسية والأزمات العالمية المتكررة بداية من فيروس كورونا حتى جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب في أرض الرجال (غزة). وحتى إن لم يكن الشخص من متابعي الأخبار والأزمات العالمية، فإنه يصاب بحالة من عدم الراحة النفسية لأسباب وعوامل داخلية تختلف من شخص لآخر. وسنحاول في هذا المقال أن نحدد بعض الأشياء المسببة لعدم الراحة النفسية، مع وضع بعض الحلول التي تساعد على الوصول إلى الراحة النفسية.
ما هي الراحة النفسية؟

يقع تحت مظلة الراحة النفسية العديد من التصورات التي تكون في كثير من الأحيان قاصرة على توضيح ما هي الراحة النفسية. فمن الناس من يعتقد أن الراحة النفسية هي الشعور الدائم بالسعادة المفرطة، وهناك أيضاً من يعتقد أنها الحالة المعتدلة للإنسان، فلا يكون حزيناً لكن لا يكون سعيداً أيضاً،  فيأكل وينام ويذهب إلى العمل، وفي هذه الحالة لا يميزه عن الثور شيء .لكن من ينظر إلى مصطلح الراحة النفسية بتأمل، فسيجد أنها حالة من الهدوء الداخلي يستطيع الإنسان الحفاظ عليها، ليصل بعدها إلى الشعور بالسعادة، والسعادة هنا ليست السعادة اللحظية التي تصعد تارة وتنخفض تارة أخرى. 
أسباب عدم الشعور بالراحة النفسية

على الرغم من تعدد الصياغات واختلاف الأسباب، إلا أن الجميع قد سأل يومًا ما عن سبب تعاسه، وللتعاسه سببان رئيسيان يشترك بهما الجميع وعدة أسباب فرعية تختلف من شخص لآخر، أما الأسباب الرئيسية فهي عضوية ونفسية.
أولاً، الأسباب العضوية:

النظام الغذائي:
إن نوع وكمية ما نتناوله من الأطعمة لا يؤثر فقط في حالتنا البدنية بل يؤثر أيضاً على الحالة النفسية. فهناك بعض الأطعمة التي يجب أن نبتعد عنها، مثل الكربوهيدرات، لكن يجب هنا أن ننوه أن الكربوهيدرات تعد من أهم مصادر الطاقة وتعد من العناصر الغذائية المهمة في النظام الغذائي. ومع ذلك، تنقسم الكربوهيدرات إلى قسمين: الكربوهيدرات المعقدة (نشويات) وتتكون من سلاسل طويلة من جزيئات السكر. ولكن المقصود هنا هو الكربوهيدرات البسيطة السريعة الامتصاص مثل المعكرونة والأرز الأبيض والخبز الأبيض والعصائر المحلاة التي تسبب العديد من المشاكل النفسية لاحتوائها على السكر البسيط الذي يسبب:
أ. الشعور بالحزن: هذا لأن ارتفاع نسبة السكر في الدم يزيد من معدلات إفراز الدوبامين (هرمون السعادة) الذي يجعل المخ يستهلك كل مخزونه، فينخفض إفراز الدوبامين مما يسبب الشعور بالحزن. كما يسبب هذا التلاعب بالهرمونات الإدمان على السكر.

ب. التوتر: يضعف السكر قدرة الجسم على التعامل مع التوتر، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسمنة والسكري والسكتات الدماغية في بعض الحالات. هذا لأن السكر يدفع الغدة النخامية إلى إفراز كميات كبيرة من الكورتيزول (هرمون الإجهاد)، بالإضافة إلى أعراض ارتفاع الكورتيزول مثل الصداع وآلام العضلات وصعوبة النوم.
اضطرابات النوم:
يحدث للإنسان العديد من المشاكل عندما يهمل النوم الجيد، فالنوم لا يساعد على استشفاء الجسد فقط بل أنه يعيد قدرة المخ على إفراز الهرمونات المحسنة للحالة النفسية. وهناك العديد من المشاكل التي قد تحدث للإنسان بسبب عدم اتباعه لعادات نوم صحية، مثل:

أ. الاكتئاب والقلق: لأن النوم الكافي يساهم في تنظيم السيروتونين والدوبامين، الهرمونان المسؤولان عن الشعور بالسعادة والرضا، ويمكن أن يؤدي نقصهما إلى اضطرابات المزاج مثل القلق والاكتئاب.

ب. التهيج العصبي: قلة النوم يمكن أن تؤدي إلى زيادة التهيج العصبي بسبب تأثيرها على نظام العصب الذاتي والتوازن بين النشاط العصبي والاسترخاء. يمكن أن يزيد التهيج العصبي من الشعور بالقلق والتوتر والضغط النفسي.
عدم ممارسة الرياضة:
للرياضة فوائد لا تعد ولا تحصى ليس على المستوى البدني فقط بل على المستوى النفسي أيضاً، وتسبب عدم ممارسة الرياضة إلى مشاكل جمة مثل:

أ. زيادة الإجهاد والقلق: عدم ممارسة الرياضة يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات الإجهاد والقلق. خلال التمرين البدني، يفرز الجسم هرمونات مثل الإندورفين التي تساعد في تخفيف التوتر وتعزيز الشعور بالراحة. على الجانب الآخر، عدم ممارسة الرياضة يمكن أن يؤدي إلى تراكم الإجهاد والتوتر في الجسم والعقل.
(ب) انخفاض المزاج والاكتئاب: الرياضة لها تأثير إيجابي على المزاج، حيث إن ممارسة التمارين الرياضية تعزز إفراز السيروتونين والدوبامين في الدماغ، وهما مواد كيميائية ترتبط بالشعور بالسعادة والرضا. عدم ممارسة الرياضة يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستويات هذه المواد الكيميائية مما يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب وتدهور المزاج.

ثانياً الأسباب النفسية لعدم الراحة:

1الصراعات الوهمية:
يعد التنافس من أهم خصائص الحياة، فبفضله يتطلع الإنسان إلى النجاح ويسعى إلى أن يستمر فيه، لكن هذا التنافس عندما يدخل إلى العلاقات الإنسانية فإنه يحولها إلى صراع. فمثلاً عندما يتنافس أشخاص من الرفاق على من هو الزعيم، فتتحول الصداقة إلى علاقة سامة، وجب التخلص منها. وينطبق هذا على كل العلاقات الإنسانية، وهذا ما قد يسبب لنا القلق والتوتر الدائمين اللذان يستنزفان الطاقة ويقتلان مع الوقت أي رغبة في التنافس أو النجاح. وهذه ليست دعوة للانقياد، بل دعوة للتخلص من الصراعات التي لا جدوى منها.
2عدم الرضا بشكل سلبي:
النجاح هدف كل إنسان، والإنسان الذي لا يحاول تحسين حياته فهو فاشل بكل المقاييس، لكن السعي إلى النجاح لا يعني السخط على المتاح حاليًا. فالإنسان، عندما يحب حياته يبذل قصارى جهده في تحسينها، لكنه إذا شعر بالضيق من حياته، فلن يسعَ إلى تغييرها وسيبقى عالقًاً في دوامة الشكوى اللا نهائية.
عدم تخطي المشكلات:
تعتبر التجارب السلبية والصعوبات التي نواجهها في حياتنا جزءًا لا يتجزأ من تجربتنا الإنسانية، وقد يؤدي عدم تخطي الماضي إلى جعله سجنًا. فأكبر سجون العالم وأشدها حراسة هو سجن الماضي، وهو السجن الذي يُدخله الإنسان دون ارتكاب أي جريمة. فالجميع يتعرضون للمشاكل، لكن لا يستطيع الجميع تخطي المشكلة، ويؤثر هذا على الصحة النفسية وعلى الصحة بشكل عام.
"كيف نصل إلى الراحة النفسية؟
ولعلك الآن تسأل كيف أصل إلى الراحة النفسية، ولأن سبب المشكلة عضوي ونفسي، فإن الحل أيضًا عضوي ونفسي، وسنقدمه بالتفصيل في النقاط التالية 
أولاً، الوسائل العضوية:
الغذاء الصحي 
يساهم الغذاء في بناء الجسم والعقل على حد سواء، وهناك الكثير من الأطعمة والمواد النافعة التي تزيد من قدرة المخ على إفراز الهرمونات التي تنظم الحالة النفسية للإنسان، مثل 
(أ) الكربوهيدرات المعقدة 
التي هي من أهم العناصر الغذائية، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن هناك علاقة بين استهلاك الكربوهيدرات وتحسن الحالة المزاجية. هذا لأنها تساعد على زيادة إفراز السيروتونين. فالكربوهيدرات المعقدة مثل الحبوب الكاملة، والخضروات، والفواكه، تحتوي على سكريات معقدة تتحلل ببطء في الجسم، مما يؤدي إلى زيادة تدفق السكر في الدم بشكل تدريجي. هذا الارتفاع التدريجي في مستويات السكر في الدم يساهم في زيادة إفراز السيروتونين في الدماغ، وهو هرمون يرتبط بالشعور بالراحة وتحسين المزاج.
(ب) مضادات الأكسدة:
الأكسدة هي عملية كيميائية تحدث عندما تتفاعل جزيئات الأكسجين في الجسم مع مركبات أخرى، مما يؤدي إلى إزالة الإلكترونات من تلك المركبات. لكن على الرغم من فوائدها، لا ينبغي أن ننسى أنها تساهم بشكل كبير في انخفاض مستويات الهرمونات الأساسية المسببة للسعادة مثل السيروتونين والدوبامين. تساعد مضادات الأكسدة الموجودة في الفواكه والخضروات، التي تحتوي على مجموعة واسعة من المضادات الأكسدة مثل فيتامين C وفيتامين E، في الحفاظ على الجسم من الأجهاد التأكسدي.  
ممارسة الرياضة:
إن ممارسة الرياضة بانتظام مفيدة للعقل قبل أن تكون مفيدة للجسم، وينصح هنا بممارسة رياضة المشي لأنها مناسبة لكل الأعمار. ففوائد المشي تكمن في أنه يحسن الحالة المزاجية بشكل كبير، حيث أظهرت الأبحاث أنه يحفز المخ على زيادة إفراز هرمونات مثل الإندورفينات والسيروتونين والدوبامين المسؤولة عن الراحة والسعادة، وتخفيف القلق الزائد. 
النوم الجيد:
لقلة النوم أضرار نفسية عديدة كما ذكرنا سابقًا، لكن النوم من 7 إلى 9 ساعات في الليل مع الالتزام بدورات النوم له فوائد عديدة مثل:
(أ) استقرار الحالة النفسية والشعور بالراحة والاسترخاء: يسهم النوم الجيد في تحسين الشعور بالراحة والاسترخاء، مما يؤدي إلى زيادة السعادة والرضا عن الحياة بشكل عام، ويزيد من الوقاية من الاكتئاب والقلق، ويساعد على تنظيم العواطف؛ حيث يفرز المخ أثناء الراحة هرمونات مثل الإندورفينات التي تساهم في تخفيف الإجهاد ورفع المزاج.
(ب) تحسين الانتباه والتركيز: خلال فترة النوم يتم تجديد الطاقة العقلية التي استهلكها الجسم خلال النهار، مما يحسن الانتباه والتركيز، ويسهم في تنظيم إفراز الهرمونات المسؤولة عن الاستجابة للمواقف الصعبة وتنظيم الانتباه والتركيز، مثل الكورتيزول والنورأدرينالين. هذا التنظيم يسهم في تعزيز الانتباه والتركيز خلال اليقظة.
ثانيًا، الوسائل النفسية:
التخلص من العلاقات السامة
الحياة لا تقوم إلا على العلاقات، ولكن عندما تسبب العلاقات ضغطًا نفسيًا وشعورًا بالسلبية، تصبح علاقاتًا سامة. عليك التخلص منها، ولكن قبل ذلك، يجب عليك تحديد السبب الذي يجعل هذه العلاقة سامة. هل هو سلوك الشخص الآخر أم سلوكك؟ كما يجب عليك أيضًا التواصل بشكل صحيح، لأنه في بعض الأحيان يكون ذلك فعالًا. وإذا لم يكن كذلك، عليك بالابتعاد الصحيح عن هذه العلاقة السامة، أو على الأقل تقليل التواصل مع الشخص الذي تعتبره سامًا. لا تدع هذا يؤثر فيك، وابذل جهدًا في نموك الشخصي. 
تخلص من القلق:
القلق والخوف شيء طبيعي في النفس البشرية، لكن مع زيادة هذا القلق، يمكن أن يدمر الحياة. وغالبًا ما يكون هذا القلق غير مبرر. الحل هنا هو عدم التفكير في ما يسبب لك القلق، والانشغال بالأعمال الأخرى. فبعض أسباب القلق قد تكون وهمية، وستكتشف مع مرور الوقت أن ما كنت تخاف منه لم يحدث 
أهرب من سجن الماضي:
قلنا سابقًا إن الماضي قد يكون مثل السجن، لكن ما لم نقله لك هو أنك أنت (المأمور) في هذا السجن، وأن المفتاح للخروج في يدك. والكلمة السحرية هنا هي "التخطي"؛ لأن ما مضى منذ دقيقة قد انتهى، ولا يجوز لنا أسر الحاضر والمستقبل في لحظة من الماضي 
 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

2

followers

0

followings

1

مقالات مشابة