وهم الكمال: لماذا يسجننا السعي للمثالية وكيف نتحرّر منه؟

وهم الكمال: لماذا يسجننا السعي للمثالية وكيف نتحرّر منه؟

0 reviews

وهم الكمال: لماذا يسجننا السعي للمثالية وكيف نتحرّر منه؟

 

في سباق الحياة المحموم، ينشأ الكثيرون على فكرة أن السعي نحو الكمال هو هدف نبيل وغاية لا بد من بلوغها. لكن خلف هذا القناع البراق، يكمن فخ نفسي يُعرف بـ "الكمالية" أو "هوس الكمال"، وهو سعي مرهق نحو معايير غير واقعية قد يتحول إلى سجن يعطل التقدم الشخصي.

ما هي الكمالية؟ سيف ذو حدين

تُعرّف الكمالية في علم النفس بأنها سمة شخصية تدفع صاحبها إلى وضع معايير أداء بالغة الصرامة، يصاحبها نقد ذاتي قاسٍ وخوف مستمر من ارتكاب الأخطاء. وعلى الرغم من أن هذا السعي قد يبدو حافزًا للنجاح، إلا أنه غالبًا ما يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا.

فالشخص الذي يسعى للكمال بإفراط يجد نفسه أسيرًا لدائرة من القلق والتوتر، حيث لا يشعر بالرضا أبدًا عن إنجازاته مهما كانت جيدة. هذا الهوس بالدقة والخوف من الفشل قد يقود إلى المماطلة وتجنب خوض تحديات جديدة، مما يعيق الإبداع والنمو.

أعراض سجن المثالية

يمكن أن يتجلى وهم الكمال في صور متعددة تؤثر سلبًا على جودة الحياة، ومن أبرز هذه العلامات:

تفكير "الكل أو لا شيء": يرى الشخص الأمور إما مثالية تمامًا أو فاشلة بالكامل، فلا يوجد حل وسط.

النقد الذاتي اللاذع: يميل الكماليون إلى تضخيم كل خطأ صغير، ويمارسون جلدًا قاسيًا للذات.

الخوف من الفشل: يتجنبون المخاطرة أو تجربة أشياء جديدة خوفًا من عدم تحقيق نتيجة مثالية.

صعوبة في اتخاذ القرار: التردد المستمر ينبع من الخوف من اتخاذ القرار "الخاطئ".

ربط قيمة الذات بالإنجاز: يعتقدون أن قيمتهم كأشخاص تعتمد كليًا على مدى نجاحهم وتحقيقهم للمعايير العالية.

 

أضرار تتجاوز النفس إلى الجسد

لا يقتصر تأثير الكمالية على الصحة النفسية، حيث يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاكتئاب والقلق واضطرابات الوسواس القهري، بل يمتد أثره ليصيب الجسد. فالضغط النفسي المستمر يمكن أن يؤثر على القلب والأوعية الدموية والجهاز الهضمي، ويسبب الصداع والأرق.

التحرر من القيود: تبني عقلية التطور المستمر

يكمن مفتاح الخروج من سجن الكمالية في التحول من عقلية "الكمال" الثابتة إلى "عقلية التطور المستمر" أو ما يُعرف بـ "عقلية النمو". هذه العقلية تؤمن بأن القدرات والمهارات يمكن تطويرها بالجهد والممارسة، وأن الأخطاء جزء لا يتجزأ من رحلة التعلم.

خاتمة

الكمالية قد تبدو دربًا للنجاح، لكنها كثيرًا ما تكون طريقًا مختصرًا نحو الإرهاق والجمود. التحرر منها لا يعني التخلي عن الطموح، بل تبنّي التطور الواقعي والرحلة المتدرجة نحو الأفضل. ابدأ بخطوة غير كاملة، فالتقدم أهم من الكمال.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

4

followings

0

followings

1

similar articles