
الطب في مصر القديمة: الأمراض وطرق علاجها (دليل تاريخي موثّق)
الطب في مصر القديمة: الأمراض وطرق علاجها (دليل تاريخي موثّق)
تعرف على أهم أمراض المصريين القدماء وعلاجاتهم الموثّقة في البرديات الطبية، مثل البلهارسيا، الملاريا، أمراض القلب، العيون، الأسنان، والجروح، في حضارة مصر القديمة.
مقدمة
مارس المصريون القدماء الطب بأسلوب متقدم جمع بين الملاحظة السريرية والوصفات العشبية و العلاجات الجراحية ، مع توثيق دقيق في برديات مثل إدوين سميث ، إيبرس ، و كاهون . وقد أظهرت الدراسات الحديثة على المومياوات مدى دقة هذه النصوص في وصف الأمراض.
أولاً: الأمراض الطفيلية
1- البلهارسيا
الوصف: مرض طفيلي سببه ديدان الـ (( Schistosoma)) ، ينتقل عبر المياه الراكدة.
الأدلة: وجدت بويضات الطفيلي في أنسجة مومياوات تعود إلى 2000 ق.م.
العلاج في مصر القديمة: أوصت البرديات بمغلي الأعشاب المرة ، وحمامات دافئة بالأعشاب، مع وصفات تحتوي على الثوم و البصل لاعتقادهم بقدرتهما على طرد الديدان.
2- الملاريا
الوصف: عدوى طفيلية تسبب الحمى والقشعريرة، ينقلها البعوض.
الأدلة: تم تحديد DNA الطفيلي في مومياوات ملكية، منها توت عنخ آمون.
العلاج في مصر القديمة: استخدموا مشروبات عشبية مُرّة تحتوي على الشيح ولحاء الصفصاف لتخفيف الحمى، بجانب تعويذات للحماية من "أرواح المرض".
ثانيا: أمراض الجهاز التنفسي والقلب
- تصلب الشرايين
الوصف: تراكم ترسبات دهنية وكالسيوم في جدران الشرايين.
الأدلة: تصوير الأشعة المقطعية لمومياوات أظهر لويحات وتكلسات شريانية.
العلاج في مصر القديمة البرديات توصي بـ نظام غذائي نباتي وتجنب الأطعمة الثقيلة، مع مشروبات عشبية لتحسين تدفق الدم ومن هذه الأعشاب التي استخدمها المصريون القدماء عسل النحل ، اللبان ، الحنظل ، العرعر ، الكرفس تمر العرب ( بلح حلايب ) ، الزعتر ، الكسبرة ، الحلبة المطحونة ، حبة البركة ، الشبت ، القرفة والقرنفل .
ثالثا: أمراض الجهاز الهضمي :
كانت أمراض الجهاز الهضمي من أكثر الأمراض المنتشرة في مصر القديمة وقد تنوعت هذه الأمراض فعلى سبيل المثال :
- الإمساك : كان من أشهر أعراض أمراض الجهاز الهضمي عند المصريين القدماء وقد استخدموا زيت الخروع والسنامكي في علاج الإمساك .
- إلتهاب الزائدة الدودية : عثرت البعثات الأثرية على مومياء مصرية بها التصاقات للزائدة الدودية بعظام الحوض لسيدة صغيرة من العصر البيزنطي في النوبة . وكان المصريون القدماء يستخدموا شراب مكون من مقادير متساوية من التين واللبن وثمار الجميز لعلاج إلتهاب الزائدة الدودية .
- الدوسنتاريا : هو مرض طفيلي تسببه بكتريا لا هوائية يطلق عليها (( إنتاميبا هستوليتكا )) أو من البلهارسيا المعوية أو الديدان وتحدث إلتهابا في الأمعاء الغليظة .
استخدم المصريون القدماء مقادير متساوية من عسل النحل النقي زيت الكسبرة لعلاج الدوسنتاريا .
- أمراض الكبد :
عرف المصريون القدماء إلتهاب الكبد وأمراضه ، وأشهر هذه الأمراض ما يسمى بإلتهاب الكبد الإستوائي ، وقد استخدم المصريون القدماء مقادير متساوية من نبات العرعر ، أوراق نبات اللوتس ، أوراق السدر والحنظل لعلاج هذا المرض الذي اشتهر في مصر القديمة .
قرحة المعدة والإثنى عشر :
الوصف : مرض ينتج عن تآكل موضعي في جدار نسيج المعدة والإثنا عشر ، وتسبب إلتهابات بالأنسجة ، وتزداد قرحة المعدة نتيجة الإفراض في تناول المواد التي تهيج جدار المعدة والأغشية المخاطية التي تحمي جدار المعدة . وكان المصريون القدماء يستخدمون الأعشاب الطبية لعلاج مثل هذه الأمراض مثل البابونج ، المرمرية ، الريحان ، النعناع الفلفلي ، الشمر ، العرقسوس ، بذر الكتان واللبان الذكر .
- القولون العصبي :
ينتج القولون العصبي عند الإنفعال الشديد ، ويحدث إمساك وتأتي مشاكل القولون العصبي أيضا نتيجة وجود بعض الأسباب الطفيلية مثل بعض أنواع الديدان ، والأميبا التي تهاجم جدران القولون ، وتسبب قرحاً به وتسبب إلتهابات الأمعاء . ولقد إنتشر هذا المرض أيضا عن المصريين القدماء واستخدموا مجموعة من الأعشاب في وصفات طبية لعلاج هذا المرض والحد من أعراضه مثل الكسبرة ، الشبت ، الشمر ، المرمرية ، العرقسوس ، حصا لبان ، نعناع فلفلي ، والكمون .
رابعاً: أمراض الفم والأسنان ( تآكل الأسنان والتهاب اللثة )
الوصف: تآكل بسبب الرمال في الطحين، مما يسبب حساسية وألمًا شديدًا.
الأدلة: فحص جماجم المومياوات أظهر تآكلًا واسعًا وتشقق الأسنان.
العلاج في مصر القديمة: استخدموا معاجين أسنان من الملح والنعناع والفلفل ، وخلطات عسل لتسكين الألم، وأحيانًا تثبيت الأسنان بخيوط من الكتان.
خامساً: أمراض العيون (التراخوما والالتهابات )
الوصف: التهابات بكتيرية مزمنة تسبب احمرارًا وضعف الرؤية.
الأدلة: نصوص بردية إيبرس تصف أعراض إفرازات العيون والحكة والاحمرار.
العلاج في مصر القديمة: مراهم تحتوي على الملاخيت (نحاس مؤكسد) ، وقطرات عسل، ومزيج من المرّ والزيوت.
---
سادسا ً : أمراض المسالك البولية :
- حصى الكلى : انتشرت حصوات الكلى والجهاز البولي عند المصريين القدماء بكافة أنواعها وتركيباتها ، حيث عثرت البعثات الإستكشافية في بلاد النوبة لمومياء لشاب من عصر ما قبل الأسرات أي : منذ حوالي 3200سنة قبل الميلاد ومن الغريب أن أكبر حصوة تزن حوالي 300 جرام والمتوسط 24 جم والصغرى 11.7 جم . وبتحليل هذه الحصوات وجد أن الحصوة الصغرى تتكون من أملاح الفوسفات وأملاح البوليك وهي النوع الشائع في مصر آنذاك .
واستخدم المصريون القدماء وصفات علاجية عشبية لإذابة هذه الحصوات ومنها نبات الحلفا بر ، ونبات الكرفس ، والخلة البلدي ، والبقدونس وحبة البركة والعرقسوس ونبات الحرجل .
سابعاً: الإصابات والجروح:
- الجروح والكسور
الوصف: إصابات ناتجة عن الحروب أو الحوادث أو العمل الزراعي.
الأدلة: كشفت البعثات الأثرية العديد من الحالات لمومياوات مصابة بأمراض المفاصل منذ 300 سنة قبل الميلاد ومشاكل العمود الفقري ،كما تم العثور على هيكل عظمي لسيدة من الأسرة الثانية عشرة وأيضا مومياء لسيدة عجوز من الأسرة العاشرة وكانت تشكو من آلام مزمنة في المفاصل .
وجاءت بردية إدوين سميث وثقت 48 حالة إصابة، بعضها معقدة مثل كسور الجمجمة والعمود الفقري.
العلاج في مصر القديمة: وجد علاج كسور العظام في نفس البردية بواسطة جبيرة مكونة من مطحون بعض الخضروات النباتية يدخل معها البقدونس والكسبرة وغيرها في صورة مرهم مع تنظيف الجرح بالعسل والدهن، التثبيت بالجبائر الخشبية، والتضميد بكتان نظيف. ومن أشهر الجبائر التي استخدمها المصريون القدماء جبيرة الحنظل وطحين الفول البلدي وطحين القمح والصمغ العربي ولبن الجميز وثمار السدر .
ثامناً: أمراض النساء
- مشاكل الحمل والخصوبة
الوصف: صعوبات في الحمل أو اضطرابات رحمية.
الأدلة: بردية كاهون خصصت نصوصًا لفحوص الحمل والتنبؤ بجنس الجنين.
العلاج في مصر القديمة: تبخير بالأعشاب، دهون زيتية مع أعشاب طبية، ومشروبات من التمر والعسل استخدم المصريون القدماء الثوم والملفوف وفول الصويا والزنجبيل والجزر والكرفس والخس والباذنجان والقرنبيط والكسبرة والجرير لتحسين الخصوبة ولتأثيرهم المقوي للجسم .
---
الخاتمة
تكشف البرديات والدراسات الحديثة أن الطب في مصر القديمة جمع بين المعرفة العلمية و المعتقدات الدينية ، ونجح في تطوير علاجات طبيعية بعضها ما زال قيد الاستخدام حتى اليوم.