الصحة النفسية: واقع، تحديات، واستراتيجيات التعايش

الصحة النفسية: واقع، تحديات، واستراتيجيات التعايش

Rating 0 out of 5.
0 reviews

مقدمة

تُعَدّ الصحة النفسية ركيزة أساسية للحياة الكريمة وليست مجرد غياب المرض. إنها توازن داخلي يُمكِّن الفرد من التفكير الواضح إدارة العواطف وبناء العلاقات الاجتماعية ومواجهة الصعاب دون انهيار. في عالم سريع التغير وضغوط متعددة (اقتصادية، اجتماعية، بيئية)، باتت الصحة النفسية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات.

image about الصحة النفسية: واقع، تحديات، واستراتيجيات التعايش

إحصائيات وتعريفات حديثة

وفق منظمة الصحّة العالمية، هناك ما يقارب مليار شخص حول العالم يعانون من اضطرابات نفسية أو الصحة النفسية المتضررة في فترات مختلفة من حياتهم. 

اضطراب القلق والاكتئاب هما من أكثر الاضطرابات انتشارًا؛ وتشيران البيانات إلى أن حالات الاكتئاب تحدُّثت في تزايد مستمر. 

الفجوة العلاجية ضخمة: في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، أقل من 10٪ من المحتاجين يتلقون الرعاية النفسية المناسبة؛ أما في الدول مرتفعة الدخل فقد تتراوح النسبة بين 50٪ وأكثر. 

الإنفاق الحكومي في معظم الدول على الصحة النفسية ضئيل نسبيًا، غالبًا حوالي 2٪ فقط من ميزانيات الصحة العامة. 


أمثلة واقعية

فترات الامتحانات لدى الطلاب
كثير من الطلاب يمرون بفترات من التوتر الشديد والتردد في النوم أو الطعام عند اقتراب مواعيد الاختبارات. الأعراض مثل القلق، الخوف من الفشل، أو الصعوبة في التركيز شائعة جدًا.

ضغوط العمل والبطالة
شخص يعمل لساعات طويلة مع مسؤوليات كبيرة بدون دعم، أو شخص يعيش حالة من عدم الاستقرار الوظيفي قد يشعر بالقلق، قلة الثقة، أو حتى الاكتئاب. هذه الأمثلة تُرِي كيف أن الضغوط الاقتصادية تلعب دورًا مهمًا.

تجارب الفقدان أو الأزمات الشخصية
فقدان شخص عزيز، انتهاء علاقة مهمة، مواجهة المرض أو الأزمات الصحية، أو حتى الأزمات الاجتماعية – كل هذا يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية إن لم يكن هناك دعم أو استراتيجيات للتعافي.

التأثير الاجتماعي والتكنولوجي
الاستخدام المكثّف لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يسبّب الشعور بالمقارنة، العزلة، أو القلق من الصورة الذاتية. أخبار الأزمات والمشاكل العالمية أيضًا تزيد من الضغط النفسي.


التحديات التي تواجه الصحة النفسية

الوصمة الاجتماعية: الخوف من مهاتفة مختص أو الانكشاف أمام الآخرين يجعل الكثيرين لا يسعون للمساعدة.

نقص الموارد: في كثير من الدول لا توجد أطباء نفسيون أو مستشارون كافون، أو المستشفيات النفسية تكون قليلة وبعيدة؛ وأحيانًا تكون الخدمات متخصصة فقط في المدن الكبرى.

تكلفة العلاج: العلاج النفسي أو الأدوية قد تكون مكلفة، وقد لا تغطيها التأمين الصحي بشكل جيد.

قلة التوعية: يفهم الناس الصحة النفسية غالبًا بصورة جزئية أو مغلوطة، مما يؤدي لتأخر التشخيص أو تجاهل الأعراض.

الأزمات العالمية: كالأوبئة، الأزمات الاقتصادية، التغير المناخي، الحروب، كلها تضيف عبئًا كبيرًا على الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات.


استراتيجيات التعايش وتحسين الصحة النفسية

إليك مجموعة من الطرق التي يمكن لأي شخص أن يدمجها في حياته اليومية للمساعدة على تحسين صحته النفسية:

الفئةأمثلة واستراتيجياتكيفية التطبيق
العناية الشخصية اليوميةممارسة الرياضة (المشي، الجري، اليوغا)، النوم الكافي، التغذية السليمة، قسط من الاسترخاء.مثلًا: تحديد روتين نوم ثابت، أكل وجبات متوازنة، تخصيص وقت يومي للاسترخاء أو هواية تحبّها.
استراتيجيات التكيف (Coping)التكيّف المتمحور حول المشكلة (problem-focused): تحديد المشكلة، التخطيط، أخذ خطوات لمواجهتها؛ التكيّف المتمحور حول العاطفة (emotion-focused): قبول، إعادة تأطير الأفكار، الدعاء/التأمّل، الضحك. عند الشعور بالقلق مثلاً: سرد المخاوف على الورق، التحدث مع صديق موثوق، تنظيم الأمور التي ضمن السيطرة.
أنشطة تخفيفيةالتأمل، التنفّس العميق، الكتابة، الرسم، الموسيقى، التواجد في الطبيعة، قضاء وقت مع الأصدقاء والعائلة.يمكن البدء بخمس دقائق يوميًا للتأمل أو التنفس العميق؛ أو ترتيبات بسيطة مثل المشي 20 دقيقة يوميًا.
دعم اجتماعي ومهنيالتحدث مع مختص نفسي؛ الانضمام لمجموعات دعم؛ مشاركة الأصدقاء والعائلة بما تمرّ به؛ التوعية داخل المجتمع لتقليل الوصمة.الاستشارة النفسية سواء عبر العيادات أو عن بعد؛ في الأوقات الصعبة، طلب المساعدة بصدق ومفتوح؛ مشاركة معلومات صحيحة عن الصحة النفسية في المدارس، أماكن العمل.
تغيير نمط الحياة والعاداتتقليل وقت الشاشة، تجنب الأخبار السلبية باستمرار، تنظيم الوقت وتقسيم المهام، تعلّم “قول لا” عند الحاجة.مثلاً: تحديد مواعيد محددة لاستخدام الهاتف أو التوقف عن متابعة الأخبار بعد وقت معين؛ تخصيص فترات للراحة والترفيه.

قصّة حقيقية (للتوضيح)

سارة (اسم مستعار)
سارة طالبة جامعية تعيش في مدينة كبيرة. عندما دخلت السنة النهائية، زادت الضغوط: مشاريع، امتحانات، تسليم أبحاث، بالإضافة لتوقعات العائلة. بدأت تشعر بقلق دائم، أرق في النوم، فقدت الشهية أحيانًا، وكان تركيزها ينهار.

بدأت بممارسة المشي يوميًا لمدة نصف ساعة.

خصّصت وقتًا كل مساء للكتابة في مفكرتها؛ تعبيرٌ عن مخاوفها وتفريغ للتوتر.

تحدثت مع زميلة مقربة عن كل ما تمر به، مما خفّف الشعور بالعزلة.

لجأت لاستشارة مختصة نفسية لمدة جلسة أسبوعيًا لبعض الوقت، وعملت على استراتيجيات التنفّس وتقنيات الاسترخاء.

خلال بضعة أشهر، لاحظت تحسّنًا في النوم، استطاعت التركيز بشكل أفضل، وانخفض القلق تدريجيًا. ليست القصة مثالية، لكنها تُظهر أن التغيير ممكن مع الجُهد والدعم المناسب.


كيف يمكن للمجتمعات والدول أن تتدخل

توسيع الوصول إلى خدمات الصحة النفسية حتى في القرى والمناطق النائية، باستخدام الطب عن بُعد (telehealth)، تدريب الممارسين في الرعاية الأساسية.

زيادة التمويل الحكومي بحيث تُصبح الصحة النفسية جزءًا أساسيًا من ميزانيات الصحة العامة.

التوعية في المدارس، أماكن العمل، وسائل الإعلام؛ لإزالة الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي.

برامج وقائية: إدخال مناهج في المدارس لتعزيز الصمود النفسي، مهارات التعامل مع الضغط، التوعية بالذات والمساعدة الذاتية.

تشريعات وسياسات داعمة: حماية حقوق المتضرّرين من الاضطرابات النفسية، ضمان وصولهم للعلاج، وتنظيم جودة الخدمات.


الخلاصة

الصحة النفسية ليست رفاهية بل ضرورة. مع أن عدد المتضرّرين كبير والإحصائيات محزنة، فهناك دائمًا أمل. من خلال تطبيق استراتيجيات يومية بسيطة، الانفتاح على الدعم الاجتماعي والمهني، وسعي المجتمعات للدعم والتوعية، يمكن أن يتحسّن الوضع كثيرًا.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

2

followings

2

followings

1

similar articles
-