التفكير الزائد يستهلكك حياً

التفكير الزائد يستهلكك حياً

3 reviews

مقدمة:

"الأوفرثينك" (Overthinking)  أو التفكير المفرط 

هذه الظاهرة أصبحت شائعة بشكل متزايد في جيلنا الحالي، حيث يعاني الكثير من الناس من الإفراط في التفكير في جميع جوانب الحياه الشخصية أو العملية اذاً ما هو الأوفرثينك:

هو الحالة التي يجد فيها الشخص نفسه غارقًا في تحليل كل تفاصيل حياته أو أحداث معينة بشكل زائد عن الحد، مما يؤدي إلى إرهاق ذهني ونفسي، فبدلاً من إيجاد حلول لتلك المشاكل ينتهي الشخص في دائرة من التفكير المتكرر والقلق المستمر حول سيناريوهات محتملة الحدوث سواء كانت إيجابية أو سلبية ، مما قد يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والعقلية له، و هناك العديد من العوامل التي ساعدت علي زيادة هذه الظاهرة وانتشرها بشكل كبير في الأجيال الحاليه، في هذا المقال سنتناول أعراضه، أسباب زيادته، مدي تأثيره علي حياة الأفراد في كافة الجوانب وخطوات التخلص منه.

 اولاً: أعراض الأوفرثينك

يمكن أن يظهر الأوفرثينك في عدة صور منها:

 * التفكير المفرط في الماضي:

 التفكير المتكرر حول أخطاء الماضي أو القرارات الخاطئة التي اتخذتها.

* التوقعات المفرطة: 

التفكير المستمر في ما سيحدث في المستقبل والخوف من نتائج محتملة.

 * القلق المستمر: 

الشعور بالقلق حيال أحداث أو مواقف لم تحدث بعد.

 * التحليل الزائد:

 قضاء وقت طويل في التفكير في مختلف الزوايا والجوانب للمواقف.

 * الإرهاق العقلي: 

الشعور بالإرهاق الذهني والعاطفي نتيجة كثرة التفكير.

اذاً ما هي أسباب زيادة الأوفر ثينك في جيلنا الحالي؟

1. التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي:

مع انتشار التكنولوجيا والاعتماد الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحنا نتعرض لكمية هائلة من المعلومات يوميًا، و هذا الكم الكبير من البيانات والمعلومات يضع العقل البشري في حالة من الإرهاق المستمر، حيث يجد الشخص نفسه مجبرًا على التفكير وتحليل كل ما يشاهده أو يقرأه، بالإضافة إلى زيادة الضغط النفسي علي الأفراد، حيث يقارنون أنفسهم بالآخرين ويتأملون في نجاحاتهم وإنجازاتهم، مما يدفعهم للتفكير المفرط في حياتهم الخاصة ولماذا حياتهم غير ناجحه مثل بقية الأفراد من وجهة نظرهم.

2. تزايد التوقعات والضغوط المجتمعية:

جيلنا الحالي يعاني من ضغوط مجتمعية كبيرة لتحقيق النجاح السريع والإنجازات الكبرى، حيث أن هذه التوقعات العالية تجعل الأفراد يشعرون بالقلق المستمر بشأن مستقبلهم، ويدفعهم ذلك إلى التفكير المفرط في الخيارات التي يتخذونها والمستقبل الذي ينتظرهم بجانب أيضاً التنافس الشديد في سوق العمل والضغوط الاقتصادية يساهم كل ذلك في تعزيز هذا القلق.

3. التعرض المستمر للقلق والإجهاد:

يعيش كثير من الناس في عالم مليء بالضغوط النفسية ،المادية و الإجهاد الناتج عن التزامات العمل، الدراسة، أو الحياة الشخصية، هذا القلق المستمر يدفع العقل إلى الإفراط في التفكير كوسيلة لمحاولة التحكم في الأمور والبحث عن حلول للمشكلات المحتملة.

4. عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي:

الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العديد من الناس تؤدي إلى زيادة التفكير المفرط حول المستقبل، حيث أن التغيرات السريعة في الوظائف، الأزمات الاقتصادية، وضغوط الحياه الاخري يجعل الأفراد يعيشون في حالة دائمة من القلق بشأن ما سيحدث في المستقبل، مما يؤدي إلى الإفراط في التفكير والتوقعات السلبية.

5. الخوف من الفشل:

العديد من الأشخاص يعانون من التفكير المفرط بسبب خوفهم من الفشل، قد يشعرون بأنهم يجب أن يفكروا في كل جانب من جوانب المشكلة حتى يتجنبوا الفشل و هذا يؤدي إلى الإفراط في تحليل الأمور، خاصة عندما تكون هناك الكثير من العوامل المجهولة أو التي لا يمكن التحكم بها.

6. الحساسية العالية للنقد:

الأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه النقد أو يخشون حكم الآخرين، يميلون إلى التفكير كثيرًا في كل تصرفاتهم وكلماتهم و يفكرون مرارًا وتكرارًا في كيف يمكن أن يكون رد فعل الآخرين تجاه تصرفاتهم.

7. الكمالية (Perfectionism):

الرغبة في الكمال تجعل الشخص يتجنب اتخاذ قرارات بسرعة لأنه يشعر بأنه يجب أن يفعل كل شيء بصورة مثالية و هذا يؤدي إلى التأجيل المستمر والقلق حول كل تفصيلة صغيرة.

8. التجارب السلبية السابقة:

التعرض لتجارب سلبية أو مؤلمة في الماضي، مثل الفشل أو التعرض للانتقاد الشديد، يمكن أن يؤدي إلى التفكير المفرط حيث أن الشخص قد يكرر تلك التجارب في ذهنه، ويحاول تفادي حدوثها مرة أخرى عن طريق الإفراط في التفكير في كيفية التعامل مع المستقبل.

* تأثيرات التفكير المفرط على مختلف جوانب الحياة:

اولاً: التأثير على العلاقات الشخصية

التفكير المفرط قد يؤدي إلى سوء الفهم في العلاقات الشخصية، فالشخص الذي يفكر باستمرار في تصرفات وكلمات شريكه أو أصدقائه قد يفسر بعض التصرفات بشكل خاطئ أو يشعر بالقلق المفرط حيال الأمور التي قد لا تكون مهمة و هذا قد يؤدي إلى صراعات غير ضرورية أو ابتعاد الشخص عن علاقاته الاجتماعية.

ثانياً: التأثير على الأداء الوظيفي

 يمكن أن يؤدي التفكير المفرط إلى التأجيل والإرهاق في العمل و تراجع الشخص في الإنتاجية وقيامه بالمهام الموكله إليه بسبب إرهاقه الذهني والنفسي وعدم اخذ كفايته من النوم بسبب التفكير.

ثالثاً: التأثير على الصحة النفسية والجسدية

 يرتبط التفكير المفرط من الناحية النفسية بمشاكل مثل (القلق والاكتئاب)، و من الناحية الجسدية قد يعاني الأشخاص من( الصداع، الأرق، والإرهاق المزمن ) وكل ذلك بسبب الإجهاد النفسي المتراكم.

رابعاً: القدرة على اتخاذ القرارات

أحد أكبر التأثيرات السلبية للأوفرثينك هو صعوبة اتخاذ القرارات، حيث أن الشخص الذي يفكر كثيرًا يشعر بأنه يجب أن يكون لديه كل المعلومات قبل اتخاذ أي قرار، مما قد يؤدي إلى التردد، التأجيل المستمر او تضيع فرص هامه في حياته بسبب عدم اتخاذه للقرارات إطلاقا.

* خطوات تساعد علي التحكم في الأوفرثينك والتخلص منه :

اولاً: التحكم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي

من المهم تقنين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتجنب الانغماس فيها بشكل مفرط، حيث يمكن تقليل الوقت الذي نقضيه على هذه المنصات من خلال تحديد ساعات معينة لاستخدامها، أو حتى استخدام تطبيقات تراقب وتحد من وقت الشاشة و الهدف من ذلك هو تقليل التعرض للمقارنات الاجتماعية والمعلومات الزائدة التي تحفز التفكير المفرط والسلبي في الكثير من ألمواقف.

ثانياً: تقسيم المهام واتخاذ خطوات صغيرة

من الأساليب المفيدة هي تقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاء أصغر وأكثر قابلية للتحكم، فالتفكير المفرط غالبًا ما يكون نتيجة لشعور الشخص بأنه مطالب بإنجاز مهام كبيرة دفعة واحدة، و بأتباع منهجية "خطوة بخطوة"، يمكن للشخص تخفيف العبء العقلي والتركيز على المهمة الحالية فقط.

ثالثاً: التفكير في الصورة الكبيرة

عندما تواجه مشكلة ما حاول أن تخرج نفسك من التفاصيل الصغيرة وتركز على الصورة الكبيرة و اسأل نفسك: "هل سيؤثر هذا الأمر علي بعد سنة؟" إذا كانت الإجابة لا، فربما لا يستحق التفكير الزائد فيه.

رابعاً: استخدام أسلوب “الصندوق المغلق”

الصندوق المغلق هي تقنية تساعد على إدارة الأفكار المزعجة، خصص "صندوقًا" وهميًا، واكتب أفكارك المقلقة أو المشكلات التي تشغلك و ضعها في هذا "الصندوق" وخطط للتعامل معها في وقت لاحق، فستجد أنك غالبًا ما تنسى بعض هذه الأفكار بمجرد وضعها في الصندوق، أو تصبح أقل أهمية بمرور الوقت فعندما يكتب الشخص مخاوفه وأفكاره على الورق، يشعر بأن هناك نوعًا من التفريغ العقلي الذي حدث له حيث ساعده على تهدئة عقله من كثرة التفكير، و يمكن أيضًا القيام بكتابة قائمة بالأولويات للمساعدة في تنظيم الأفكار والتخلص من الفوضى العقلية.

خامساً: تقنية التفكير في الحلول الإبداعية

بدلاً من الغرق في التفكير في المشاكل، حاول البحث عن حلول إبداعية، فأحيانًا يمكن للأفكار البسيطة أو غير التقليدية أن تحل المشكلة دون الحاجة للتفكير المفرط و هذا يتطلب مرونة في التفكير والقدرة على الابتعاد عن الأنماط التقليدية.

سادساً: تحسين الثقة بالنفس

كثير من الأوفرثينك ينجم عن نقص الثقة بالنفس حيث يجب علي الفرد العمل على تحسين تقدير الذات فذلك سيساعدك على اتخاذ قرارات أكثر ثقة وتجنب القلق الزائد حول نتائج كل تصرف، و يمكنك تعزيز ثقتك بالنفس من خلال تحديد نجاحاتك والاعتراف بها، وتجنب التركيز فقط على الأخطاء.

سابعاً: التحدث مع الآخرين

في كثير من الأحيان، يمكن أن يساعد التحدث مع شخص آخر في كسر دائرة التفكير المفرط و قد ترى الأمور من منظور مختلف أو تكتشف أن مخاوفك غير مبررة. و يمكن أن يكون الحديث مع صديق أو مستشار نفسي مفيدًا في هذه الحالات.

ثامناً: الالتزام بروتين يومي محدد

الروتين يساعد في تنظيم الأفكار وتجنب الغرق في التفكير المفرط. فعندما يكون لديك خطة يومية واضحة فذلك يقلل من التشتت ويجعلك تركز على التنفيذ بدلاً من التفكير.

تاسعاً: تقنية "عدم التركيز" (Letting Go)

ببساطة في بعض الأحيان أفضل حل هو عدم التركيز على المشكلة لفترة معينة، تجربة "إطلاق العنان" وعدم السعي لحل كل شيء في الحال يمكن أن تكون مريحة للعقل وتقلل من الضغط.

عاشراً: العمل على تقبل الأمور غير القابلة للتحكم

يجب أن يفهم الفرد أن هناك أشياء في الحياة لا يمكن التحكم فيها و هو جزء أساسي من التخلص من الأوفرثينك، إذا لم يكن لديك القدرة على التحكم في نتائج معينة، فإن التفكير فيها لن يغير شيئًا بل سيزيد من الضغط.

الخاتمة:

التفكير المفرط هو تحدي نفسي كبير في جيلنا الحالي، ويؤثر بشكل مباشر على جودة حياتنا الشخصية والمهنية، لكنه ليس حالة لا يمكن التغلب عليها لان من خلال التعرف على أسباب التفكير المفرط وتطبيق استراتيجيات عملية للتحكم فيه، يمكننا تعزيز صحتنا النفسية والعقلية، الأمر فقط يتطلب الصبر والالتزام، لكن بمرور الوقت يمكن أن يؤدي إلى تحسينات واضحة في طريقة تعاملنا مع المواقف الصعبة وفي قدرتنا على اتخاذ قرارات واثقة ومدروسة، تذكر أن كل لحظة تمضي في التفكير الزائد يمكن أن تتحول إلى فرصة للنمو والإنجاز عند تغيير طريقة تفكيرك إلى ما هو أكثر إيجابية وفعالية.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

7

followers

9

followings

1

similar articles