
التحديات النفسية التي يواجهها كبار السن
التحديات النفسية التي يواجهها كبار السن
تُعدُّ مرحلة الشيخوخة من المراحل الحساسة في حياة الإنسان، حيث يتعرَّض الفرد لتغيّرات جوهرية على المستويات الجسدية والنفسية والاجتماعية والعقلية. ومع تقدُّم العمر، تبدأ بعض القدرات في التراجع، ممَّا يؤثِّر على نوعية حياة المسنّ وشعوره بالرضا والسعادة. وعلى الرغم من أنَّ التقدُّم في العمر يمثل خبرةً متراكمة ومخزونًا من الحكمة، إلا أنَّه قد يرافقه جملة من التحديات النفسية والمشاكل النفسية التي تتطلب رعاية ودعمًا خاصين من قِبَل الأفراد والمجتمع ومقدّمي الرعاية الصحية.
أوَّلًا: الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية :
يُعد الشعور بالوحدة من أبرز التحديات النفسية التي يواجهها كبار السن، حيث يفقد البعض أصدقاءهم أو أزواجهم نتيجة الوفاة أو الانشغال بالحياة الأسرية لأبنائهم او الانقطاع عن العمل .قد يسبب ذلك تقليص دائرة العلاقات الاجتماعية ، ممَّا يعزِّز شعور المسنّ بالوحدة. وتنعكس هذه الحالة على الصحة النفسية لكبار السن، إذ قد تؤدِّي إلى الوحدة أو الاكتئاب أو اضطرابات القلق إذا لم تتم مواجهتها بشكلٍ مناسب.

ثانيًا: الاكتئاب والقلق
نتيجة التغيرات الجسدية والهرمونية وفقدان بعض الأدوار الاجتماعية، يواجه بعض المسنّين حالاتٍ من الاكتئاب والقلق. إذ يشعرون أحيانًا بانعدام القيمة، خاصَّة إذا كانوا يعتمدون على الآخرين في تلبية احتياجاتهم الأساسية. وتتفاقم هذه المشاعر عندما يواجه المسنّ أمراضًا مزمنة أو آلامًا مستمرة تحول دون ممارسته لأنشطته اليومية المعتادة
ثالثًا: تراجع القدرة على ممارسة الأنشطة والهوايات
يُعزِّز النشاط البدني والذهني شعور الإنسان بالسعادة والرضا. ومع التقدُّم في العمر، قد يواجه كبار السن صعوبة في الاستمرار بالهوايات أو الأعمال التطوعية التي كانوا يمارسونها،،، سواء بسبب المشكلات الصحية أو قلة الفرص المتاحة لهم. وينتج عن ذلك إحساسٌ بالعجز وفقدان الهدف، ممَّا يؤثِّر سلبًا في حالتهم النفسية ويزيد من خطر الاكتئاب.
رابعًا: الأمراض المزمنة والتغيّرات الجسدية
من الطبيعي أن ترتفع نسبة الإصابة بالأمراض المزمنة مع تقدُّم السن، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب والتهاب المفاصل وامراض الشريين. تؤدِّي هذه الأمراض إلى تحديات نفسية؛ إذ يشعر المسنّ أحيانًا بالتعب والإجهاد المستمر، إضافة إلى الألم المزمن الذي يؤثِّر على جودة حياته.
بالإضافة الي ضعف بعض الحواس لديهم وانحدار قوتهم مثل حاسة السمع التي تسبب لهم ضعف الاتصال والتفاعل مع الآخرين
وحاسة البصر التي يفقدها البعض وقلة الليونة والمرونة وضعف المفاصل لديهم كما يمكن أن تؤدِّي هذه الأمراض إلى تقييد الحركة أو الحاجة إلى رعاية دائما، ممَّا يزيد من الشعور بفقدان الاستقلالية والاعتماد على الآخرين
خامسًا: التغيّرات المعرفية والعقلية
من الشائع أن يحدث تراجع في بعض القدرات المعرفية، مثل الذاكرة والانتباه وسرعة معالجة المعلومات. وعلى الرغم من أنَّ هذا التراجع قد يكون طفيفًا وطبيعيًّا في معظم الحالات، إلا أنَّه قد يتفاقم في حالات معيَّنة مثل اضطرابات الذاكرة مرض ألزهايمر أو الخرف بأنواعه. تؤثِّر هذه التغيّرات المعرفية على ثقة المسنّ بنفسه، وتسبِّب قلقًا وخوفًا من فقدان السيطرة على حياته.
سادسًا: الطرق المقترحة للتعامل مع هذه التحديات النفسية
• الدعم الاجتماعي والأُسري لكبار السن :
يُعَدّ التواصل المستمرّ مع أفراد العائلة والأصدقاء من أهمّ سُبُل تخفيف الشعور بالوحدة والعزلة. يمكن أيضًا تشجيع المسنّ على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية أو النوادي المخصَّصة لكبار السن أو الزيارات
• المتابعة النفسية والطبية:

من الضروري مراجعة الطبيب النفسي أو الاختصاصي النفسي عند ظهور أعراض الاكتئاب أو القلق، مع الاستمرار في المتابعة الطبية للأمراض المزمنة لتقليل أثرها على الجانب النفسي.
• ممارسة الأنشطة البدنية والذهنية:
الحفاظ على النشاط البدني المناسب للعمر والحالة الصحية يُساعِد على تحسين المزاج وتقوية العضلات والمفاصل وممارستهم أيضا في اداء هواياتهم المفضلة وليكن عزف الموسيقي او الزراعة ،كما يمكن ممارسة الأنشطة الذهنية مثل حلّ الألغاز أو القراءة لتنشيط الذاكرة والقدرات المعرفية.
• الحفاظ على الشعور بالأهمية والإنجاز:
يمكن إشراك المسنّ في الأعمال التطوعية أو المهام البسيطة داخل المنزل أو مشاركتهم الرأي في بعض الأمور المهمة، ممَّا يعزِّز شعوره بالقيمة والإنتاجية ويزيد من ثقته بنفسه.
• التثقيف والتوعية: ينبغي توعية أفراد العائلة والعاملين في مجال الرعاية الصحية حول الخصائص النفسية لكبار السن وكيفية التعامل معهم بحساسية واحترام.
سابعًا: التغيّرات الاجتماعية ودور المجتمع
لا يقتصر دور العائلة على تقديم الرعاية للمسنّ، بل إنَّ المجتمع يلعب دورًا مهمًّا في توفير بيئة داعمة. يمكن للمؤسَّسات الحكومية والجمعيات الأهلية تقديم برامج اجتماعية وترفيهية وتثقيفية تلبِّي احتياجات كبار السن وتساعدهم على الاندماج مع الآخرين. كما أنَّ توفير بُنى تحتية مناسبة (مثل الأماكن العامة التي تراعي سهولة الحركة والوصول) يُساهِم في تشجيعهم على المشاركة في الأنشطة المجتمعية.
الخاتمة
تمثِّل التحديات النفسية التي يواجهها كبار السن جانبًا مهمًّا من جوانب الشيخوخة، إذ تتداخل فيها العوامل الجسدية والاجتماعية والاقتصادية. وتنعكس آثارها على حياة المسنّ وعلى أسرته ومجتمعه. لذا، من الضروري توفير الرعاية الشاملة والدعم النفسي والاجتماعي والتثقيفي لهذه الفئة، مع الاعتراف بدورهم القيِّم وخبرتهم الطويلة في الحياة. إنَّ تعزيز الوعي بأهمية صحة المسنّ النفسية وتوفير الأدوات اللازمة لمساعدته على التكيّف مع التغيّرات الحتمية للشيخوخة يُعدّان من الركائز الأساسية لبناء مجتمع متكافل، يحترم أفراده بعضهم بعضًا ويضمن جودة الحياة للجميع.