
كيف نحافظ على صحتنا النفسية في ظل ضغوط الحياة اليومية
في عالم سريع الإيقاع يمتلئ بالضغوط والتحديات اليومية، أصبحت الصحة النفسية ضرورة لا غنى عنها وليست رفاهية كما يظن البعض. فالنفس السليمة هي الأساس الذي يُبنى عليه النجاح في العمل، والاستقرار في العلاقات، والقدرة على مواجهة تقلبات الحياة بثبات واتزان.
ورغم الاهتمام المتزايد بالصحة الجسدية من خلال الرياضة والتغذية الصحية، إلا أن الصحة النفسية ما زالت تعاني من الإهمال أو التهميش في مجتمعاتنا العربية. فغالبًا ما يُنظر إلى الاضطرابات النفسية نظرة سلبية، وكأنها وصمة عار، مما يجعل الكثيرين يتجنبون الحديث عنها أو طلب المساعدة.
في هذا المقال، نناقش أهمية الصحة النفسية، وكيفية تعزيزها، والعوامل التي تؤثر فيها، بأسلوب واقعي وعملي يناسب مختلف شرائح المجتمع.
ما هي الصحة النفسية؟
الصحة النفسية لا تعني فقط غياب الأمراض أو الاضطرابات العقلية، بل تشمل القدرة على التعامل مع مشاعرنا، وبناء علاقات صحية، واتخاذ قرارات سليمة، والتكيف مع الظروف المختلفة دون الانهيار أو الفشل.
الإنسان المتزن نفسيًا هو من يعرف متى يتحدث ومتى يصمت، متى يُعبّر عن انفعالاته ومتى يضبطها. وهو من يتقبل نفسه بعيوبها ومميزاتها، ويعمل على تطوير ذاته دون جلد أو قسوة.
أسباب تدهور الصحة النفسية في مجتمعاتنا
هناك العديد من الأسباب التي تؤثر سلبًا على الصحة النفسية، نذكر منها:
1. الضغوط الاقتصادية: البطالة، قلة الدخل، وارتفاع تكاليف المعيشة، كلها عوامل تسبب قلقًا دائمًا وتؤدي إلى التوتر والاكتئاب في كثير من الأحيان.
2. الضغوط الاجتماعية: مثل المقارنات المستمرة بين الأفراد، والتوقعات المرتفعة من الأهل أو المجتمع، سواء في الدراسة أو العمل أو الزواج.
3. ضعف الدعم النفسي: في كثير من البيوت، لا يوجد شخص يمكن التحدث معه بحرية، مما يدفع البعض إلى الكتمان أو العزلة.
4. غياب الوعي: لا تزال فكرة الذهاب إلى طبيب نفسي غير مقبولة عند كثير من الناس، خوفًا من نظرة الآخرين أو من الحكم عليهم بأنهم "مجانين".
كيف نحافظ على صحتنا النفسية؟
الحفاظ على التوازن النفسي لا يتطلب معجزات، بل يحتاج إلى وعي وتدرج في الممارسة. إليك بعض الخطوات العملية:
1. الاعتراف بالمشاعر
أول خطوة هي أن نكون صادقين مع أنفسنا. لا داعي لإنكار الحزن أو الغضب أو القلق. كل المشاعر إنسانية ومشروعة، وعلينا فهمها بدلًا من تجاهلها.
2. الابتعاد عن جلد الذات
الكثيرون يعانون من نقد داخلي قاسٍ. فبدلًا من تشجيب أنفسهم على المحاولة، يرددون عبارات مثل: "أنا فاشل"، "ما فيّش فايدة". هذه العبارات تضعف النفس وتدمر الثقة تدريجيًا.
3. تنظيم الوقت والنوم
قلة النوم أو العشوائية في إدارة اليوم تسبب توترًا متراكمًا. حاول تنظيم يومك بمرونة، واحرص على النوم الجيد وتحديد أوقات للراحة والاسترخاء.
4. التواصل مع الآخرين
لا تكن أسير العزلة. الحديث مع شخص مقرب، حتى لو لخمس دقائق، قد يخفف عنك ضغطًا كبيرًا. الدعم الاجتماعي من أهم وسائل الحفاظ على التوازن النفسي.
5. ممارسة الأنشطة المحببة
قد يكون المشي في الهواء الطلق، أو الرسم، أو القراءة، أو حتى الطبخ وسيلة فعّالة لتفريغ الشحنات السلبية. ابحث عن نشاط يشعرك بالراحة ويشغل ذهنك بشيء إيجابي.
هل يجب أن نلجأ إلى الطبيب النفسي؟
كثيرون يعتقدون أن الطبيب النفسي لا يُزار إلا في الحالات "الخطيرة". والحقيقة أن الحديث مع مختص نفسي قد يساعد في الوقاية من تطور الأعراض، تمامًا كما نذهب للطبيب لفحص دوري للجسم.
إذا شعرت أنك تفقد الحماس للحياة، أو أنك لا تستطيع النوم جيدًا، أو أن القلق يُسيطر عليك طوال الوقت، فلا تتردد في زيارة أخصائي نفسي. هذا ليس ضعفًا، بل شجاعة ووعي.
دور الأسرة في دعم الصحة النفسية
البيت هو أول مكان يتشكل فيه الإنسان نفسيًا. لذلك، فإن الأسرة لها دور كبير في تعزيز أو تدمير الصحة النفسية لأفرادها. الكلمة الطيبة، والاحترام، والتشجيع، والإنصات، كلها سلوكيات تغذي النفس وتبني الثقة.
لا تستخف بمشاعر ابنك أو ابنتك، ولا تقلل من شأن قلقهم أو حزنهم. احتوِ مشاعرهم، وساعدهم على فهم أنفسهم.
أخيرًا: لنتعامل بلطف مع أنفسنا
نعيش في زمن مليء بالصراعات والمقارنات والضغوط. لذا، من المهم أن نكون لأنفسنا مصدر أمان وسلام، لا مصدر ضغط إضافي. عامل نفسك كما تعامل صديقًا عزيزًا، وتذكر أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، بل هي الأساس لكل شيء.
العناية بالنفس ليست أنانية، بل مسؤولية. فكل شخص يهتم بنفسه، يصبح أكثر قدرة على دعم من حوله، ونشر الإيجابية في محيطه.