جرت تجارب غريغور مندل (1822-1884) على التهجينات في النبات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر

جرت تجارب غريغور مندل (1822-1884) على التهجينات في النبات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد قام بها خلال فترة تتراوح بين عامي 1856 و 1863. كانت تلك التجارب هي البداية للفهم العلمي لقوانين الوراثة وتمثل نقطة تحول هامة في تاريخ علم الوراثة. سنقوم في هذا الوصف بتسليط الضوء على أهم تجارب مندل، وذلك بدءًا من سياق الفترة الزمنية التي جرت فيها هذه التجارب وصولاً إلى النتائج التي توصل إليها والتأثير الكبير الذي كان لها على فهمنا للوراثة.

السياق التاريخي: 

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت الأفكار حول نقل الصفات الوراثية تعتمد على مفهوم التوريث المختلط، حيث كان يعتقد أن الصفات تمتزج معًا في النسل بطريقة مشابهة لخلط الألوان. وكان هذا المفهوم يعاني من الكثير من التعقيد وعدم الوضوح.

تجربة مندل الأولى: 

بدأت تجارب مندل عام 1856 على نبات البازلاء الصفراء والخضراء (Pisum sativum). اختار مندل هذا النبات بسبب سهولة تربيته وتنوع الصفات التي يمكن دراستها. بدأت التجارب بتهجين نباتات بازلاء صفراء مع نباتات خضراء، حيث كانت الصفة المميزة في هذا السياق هي لون البذور.

استخدم مندل نهجًا عدديًا دقيقًا في تسجيل نتائجه، حيث سجل عدد ونوع البذور الناتجة عن كل تهجين. اكتشف مندل أن الجيل الأول (F1) كان يتكون من نباتات ذات بذور خضراء، ولم يظهر لون البذور الصفراء على الإطلاق في هذا الجيل.

من ثم، قام مندل بتهجين نباتات الجيل الأول (F1) مع بعضها البعض، واكتشف أن الجيل الثاني (F2) كان يتكون من نباتات ذات بذور خضراء ونباتات ذات بذور صفراء بنسبة 3:1 تقريبًا. وهذا هو ما يُعرف الآن بقانون الانفصال الذي أثبت أن الصفة الصفراء ليست ذات سيطرة كاملة وأن هناك عناصر وراثية يتم نقلها دون أن تظهر في الجيل الأول.

تجربة مندل الثانية:

 قام مندل بتكرار التجربة على صفة أخرى، وهي ارتفاع النبات، حيث استخدم نباتات بازلاء قصيرة مع نباتات طويلة. كانت النتائج مشابهة لتلك في التجربة الأولى، حيث كانت الجيل الأول (F1) يتكون من نباتات ذات ارتفاع متوسط.

ومرة أخرى، عند تهجين نباتات الجيل الأول (F1) مع بعضها البعض، ظهرت في الجيل الثاني (F2) نباتات طويلة ونباتات قصيرة بنسبة 3:1 تقريبًا، مما أكد على وجود قانون الانفصال وأظهر أن هناك وحدات وراثية تتحكم بارتفاع النبات.

تجارب أخرى:

 قام مندل أيضًا بتجارب أخرى تشمل صفات متعددة مثل شكل ولون الزهور وطول السندات وشكل السندات وغيرها. في كل مرة، تأكد مندل من أن نتائجه تتفق مع القوانين التي وضعها، وهو ما أثبت استدلالاته وتحليله العددي.

قوانين مندل الوراثية: 

1. قانون الانفصال:

• في حالة تهجين نباتات ذات صفات مختلفة، تظهر صفة واحدة في الجيل الأول (F1)، ولكن تعود صفات الجيل الأصلي للظهور في الجيل الثاني (F2).
• الوحدات الوراثية (الجينات) تنفصل عن بعضها أثناء تكوين الخلايا جنسية (الإبوال والبيوض).

2. قانون التركيب الوراثي:

• كل نبات في الجيل الأول (F1) يحمل وحدتين وراثيتين لكل صفة، إحداها من الأب والأخرى من الأم.
• هذه الوحدات الوراثية تظهر بوضوح في الجيل الثاني (F2)، حيث يظهر الجيل الثاني بنسب معينة تبين التركيب الجيني لكل فرد.

3. قانون التفاز الوراثي:

• الأفراد في الجيل الأول (F1) يحملون وحدتين وراثيتين مختلفتين لكل صفة، ولكن يظهر في الجيل الثاني (F2) التنوع في الوحدات الوراثية التي يحملها الأفراد.
• يفسر هذا التنوع في الجيل الثاني ظاهرة التفاز والتي تشير إلى التبادل العشوائي للوحدات الوراثية أثناء تكوين الخلايا جنسية.

تأثير تجارب مندل:

• بفضل تجارب مندل، تم تحديد أن الوراثة تتبع قوانين معينة وقابلة للتفسير بوساطة الجينات.
• توفرت لأول مرة فهمًا علميًا لكيفية نقل الصفات من جيل إلى جيل، مما أسهم في تأسيس علم الوراثة.
• ساعدت تجارب مندل في فتح باب الفهم لعلماء الأحياء والوراثة الذين تابعوا أبحاثه وعملوا على توسيعها.

التطور اللاحق:

• بالرغم من أهمية تجارب مندل، إلا أنه لم يتم الاعتراف بها بشكل كامل في عصره. لم يحظَ العلماء بفهم كامل للحمض النووي (DNA) ودوره في الوراثة إلا في النصف الثاني من القرن العشرين.
• اكتشاف بنية الحمض النووي في عام 1953 من قبل جيمس واطسون وفرانسيس كريك أضاف بعدًا جديدًا للفهم الوراثي وأسهم في تطوير علم الجينات والتلاعب الجيني.

ختام: 

تجارب مندل على التهجينات في النبات كانت البداية الأولى للفهم العلمي للوراثة، وكانت نقطة تحول هامة في تاريخ العلم. بفضل تحليله العددي ودقته في التجارب، وضع مندل القوانين الثلاثة التي تشكل الأساس لتفسير نقل الصفات الوراثية. تلك التجارب لها تأثير كبير على التطور اللاحق لعلم الوراثة وتكنولوجيا التلاعب الجيني.