مخاطر أمراض الأسنان وطرق الوقاية منها
مخاطر أمراض الأسنان وطرق الوقاية منها

تُعدّ صحة الأسنان واحدة من أهم الجوانب في صحة الإنسان العامة، ليس فقط لأنها تتعلق بالمظهر الخارجي أو الراحة أثناء الأكل، بل لأنها ترتبط ارتباطًا مباشرًا بصحة القلب، والمناعة، والهضم، وحتى جودة النوم. الصورة التي أمامنا تُجسّد بشكل مبسّط أهم ست حالات تصيب الأسنان: تسوّس الأسنان، التهاب اللثة والأسنان، خراج الأسنان، الأسنان المكسورة، الأسنان اللبنية، واصفرار الأسنان. كل صورة تمثل حالة مرضية أو تشريحية ذات أهمية بالغة، ووراء كل حالة منها قصة من الأسباب والتطورات والمضاعفات وطرق العلاج والوقاية. ولذلك سنخوض في مقال شامل وطويل وتحليلي يشرح كل حالة بتفاصيلها الدقيقة بدءًا من سبب ظهورها، مرورًا بأعراضها ومضاعفاتها، وانتهاءً بأساليب علاجها وطرق الوقاية منها، مع الربط بين الحالات المختلفة لأن الأنواع المتعددة من مشاكل الأسنان غالبًا ما ترتبط ببعضها في سلسلة واحدة إذا أهملها الإنسان، فالتسوس غير المعالج قد يتحول إلى التهاب، ثم إلى خراج، وقد يؤدي في النهاية إلى فقدان الأسنان أو الحاجة إلى تدخل جراحي كبير. سنبدأ بمناقشة الحالة الأكثر انتشارًا على الإطلاق وهي تسوّس الأسنان، التي تظهر في الصورة في الزاوية اليسرى العليا بشكل واضح مع بقع سوداء عميقة تدل على تآكل طبقة المينا وامتداد الضرر إلى العاج وربما إلى اللب.
تسوّس الأسنان يعد من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا في العالم، وتسببه البكتيريا التي تتغذى على السكريات وتفرز أحماضًا قوية قادرة على إذابة المينا، وهي الطبقة الأصلب في جسم الإنسان. عندما يفشل الشخص في تنظيف أسنانه بانتظام، تبدأ البكتيريا في التراكم على شكل لويحة (البلاك)، ومع وجود السكر يتحول الوسط إلى حمضي، فتبدأ المينا بالتآكل. في البداية تكون التسوسات سطحية ولا يشعر المريض بألم، ولكن مع الوقت تتعمّق وتصل إلى طبقة العاج الأكثر حساسية، وهناك يبدأ الألم عند تناول شيء بارد أو ساخن أو سكري. وإذا استمر الإهمال يصل التسوس إلى اللب، حيث توجد الأعصاب والأوعية الدموية، وعندها يحدث الألم الشديد الذي قد لا يحتمله المريض. من المضاعفات الكبرى للتسوس المتقدم التهابات الجذور، والخراج، وفقدان الأسنان، وقد يصل الأمر إلى انتشار الالتهاب إلى الفك أو الجيوب الأنفية أو حتى الدم. تشمل طرق الوقاية تنظيف الأسنان مرتين يوميًا، استخدام معجون يحتوي على الفلورايد، التقليل من السكريات، وزيارة طبيب الأسنان كل ستة أشهر. أما العلاج فيتراوح بين الحشو البسيط، والحشو العميق، وعلاج العصب، وقد يصل في بعض الحالات إلى خلع السن بالكامل إذا تلف بشكل لا يمكن إنقاذه.
ننتقل الآن إلى التهاب الأسنان واللثة، وهي الحالة الثانية في الصورة في منتصف الصف العلوي. الالتهاب يحدث عندما يتجمع البلاك والجير حول الأسنان وعلى خط اللثة. اللثة السليمة تكون وردية اللون وثابتة، لكن عندما تلتهب تصبح حمراء، متورمة، وتنزف بسهولة عند التفريش. السبب الرئيس للالتهاب هو عدم إزالة البلاك بانتظام، لكن هناك عوامل أخرى تزيده مثل التدخين، ضعف المناعة، نقص الفيتامينات، وأمراض السكري. في البداية يكون الالتهاب بسيطًا ويمكن السيطرة عليه بسهولة إذا عاد الشخص للعناية بأسنانه، ولكن إذا تُرك دون علاج يتحول إلى التهاب لثوي مزمن يسمى التهاب دواعم السن، والذي يؤدي إلى تراجع اللثة وانكشاف جذور الأسنان وتخلخلها، وقد ينتهي بسقوط الأسنان حتى لو كانت نفسها سليمة. تظهر الأعراض على شكل رائحة فم كريهة، ألم طفيف، نزيف عند الأكل أو التفريش، وإحساس بعدم الارتياح. العلاج يبدأ بتنظيف عميق لدى طبيب الأسنان، وإزالة الجير، ثم استخدام غسول فم طبي، وتحسين العناية اليومية، وفي الحالات المتقدمة قد يحتاج المريض لجراحة لرفع اللثة أو تثبيت الأسنان أو ترميم العظام.
بعد ذلك تظهر في الصورة حالة خراج الأسنان، وهي من أخطر المشكلات لأن الخراج ليس مجرد ألم في السن، بل هو تجمع صديدي ناتج عن عدوى بكتيرية وصلت إلى جذور السن أو اللثة. الخراج يظهر عادة عندما يهمل الشخص تسوسًا عميقًا، أو عندما يدخل بكتيريا بسبب كسر في السن أو التهاب لثوي متقدم. الصورة توضح الخراج بشكل دقيق، حيث يظهر تورم أحمر مملوء بالصديد تحت السن. أعراض الخراج تشمل ألمًا نابضًا شديدًا، تورم الوجه أو الفك، ارتفاع الحرارة، صعوبة فتح الفم أو البلع، ورائحة كريهة قوية. الخراج لا يمكن علاجه في البيت ولا يشفى وحده، بل يتطلب تدخلاً طبيًا عاجلاً لأن الصديد إذا لم يُصرف يمكن أن ينتشر إلى الرقبة أو الدماغ أو مجرى الدم. العلاج يعتمد على سحب الصديد، ثم علاج العصب أو خلع السن حسب حالته، مع إعطاء مضادات حيوية مناسبة. إهمال الخراج قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة قد تهدد الحياة.
أما الأسنان المكسورة، كما بالصورة في الصف السفلي يسارًا، فهي من الإصابات الشائعة نتيجة السقوط، أو قضم أشياء صلبة، أو التهابات أضعفت السن، أو حتى بسبب طحن الأسنان أثناء النوم. الكسر قد يكون بسيطًا في طبقة المينا فقط، وقد يكون عميقًا يصل إلى اللب ويجعل العصب مكشوفًا، مما يسبب ألمًا شديدًا عند الشرب أو الأكل. من المهم معرفة أن الأسنان لا تلتئم مثل العظام، وبالتالي أي كسر يحتاج علاجًا سواء كان بسيطًا أو عميقًا. العلاج يختلف حسب حجم الكسر: قد يضع الطبيب حشوة تجميلية في حالات الكسور الصغيرة، أو غطاء تاجي (كراون) في حالات أكبر، أو علاج عصب إذا كان العصب مكشوفًا، أو خلع السن إذا كان الكسر تحت مستوى اللثة ولا يمكن إصلاحه. الحفاظ على الأسنان من الكسر يتطلب تجنب فتح الأشياء بالأسنان، عدم مضغ الثلج أو العظام، واستخدام واقي الأسنان عند ممارسة الرياضات العنيفة.
نأتي الآن إلى الأسنان اللبنية، وهي الأسنان الأولى التي تظهر لدى الأطفال، ويبلغ عددها 20 سنًا. تظهر بين عمر 6 أشهر و3 سنوات، وتبدأ في السقوط من عمر 6 سنوات، لتحل محلها الأسنان الدائمة. كثير من الناس يعتقدون أن الأسنان اللبنية غير مهمة لأنها مؤقتة، لكن هذا خطأ كبير. الأسنان اللبنية تلعب دورًا حاسمًا في المضغ، النطق، النمو الصحيح للفك، وتوجيه الأسنان الدائمة إلى أماكنها الصحيحة. إذا أصيب الطفل بتسوس شديد في أسنانه اللبنية فقد يفقدها مبكرًا، وهذا يسبب ازدحامًا وتشوهًا في الأسنان الدائمة. العناية بالأسنان اللبنية تبدأ منذ ظهورها، ويجب تعليم الطفل تنظيف أسنانه، وتقليل تناول الحلويات، وزيارة طبيب الأسنان بانتظام. تسوس الأسنان اللبنية أسرع بكثير من الدائمة لأن طبقة المينا فيها أضعف، لذلك يجب الانتباه جيدًا لأي بقع بيضاء أو صفراء لأنها قد تكون أول علامات التسوس.
الحالة الأخيرة في الصورة هي اصفرار الأسنان، وهي مشكلة جمالية أكثر من كونها مرضية، لكنها قد تكون مؤشرًا على ضعف المينا أو تراكم الجير أو التدخين أو تناول أطعمة مصبوغة. تختلف درجات الاصفرار حسب السبب؛ فهناك اصفرار خارجي ناتج عن الأصباغ الموجودة في الشاي والقهوة والتدخين، وهناك اصفرار داخلي ناتج عن عوامل وراثية، أو استخدام المضادات الحيوية في الطفولة، أو تآكل المينا الذي يجعل العاج الأصفر الداخلي يظهر بوضوح. علاج الاصفرار يعتمد على السبب: التنظيف الدوري، التبييض، إزالة الجير، أو استخدام تقنيات مثل الليزر أو القشور التجميلية (الفينير) في الحالات الشديدة. كما يجب التقليل من المشروبات الملونة، وتغيير فرشاة الأسنان بانتظام، واستخدام معجون تبييض آمن.
عند الربط بين الحالات المختلفة نجد أن معظمها يبدأ من نقطة واحدة: إهمال العناية اليومية بالفم والأسنان. البلاك يتراكم فيتحول إلى جير، والجير يسبب التهابًا، والالتهاب قد يؤدي إلى نزيف وتراجع في اللثة، مما يترك تجاويف حول الجذور تسمح للبكتيريا بالدخول والتسبب في خراج. التسوس أيضًا يتطور لنفس المسار إذا لم يُعالج. ولذلك فإن الوقاية أسهل وأرخص وأقل ألمًا من أي علاج.
كما أن الغذاء له دور مهم؛ فالأطعمة الغنية بالسكريات والنشويات تزيد نشاط البكتيريا، بينما الأطعمة الغنية بالكالسيوم مثل الحليب والزبادي والأسماك تقوّي الأسنان. كذلك يلعب شرب الماء دورًا أساسيًا في تنظيف الفم بشكل طبيعي وترطيب اللثة وتقليل الروائح.
النقطة المهمة أيضًا هي تأثير العادات اليومية: مثل التدخين، الذي لا يسبب فقط اصفرار الأسنان، بل يضعف اللثة ويقلل تدفق الدم إليها، مما يجعل المريض أكثر عرضة للالتهاب وفقدان الأسنان. وهناك عادة طحن الأسنان أثناء النوم، التي قد تكسر الأسنان بمرور الوقت وتسبب صداعًا وتآكلًا في المفصل الفكي.
أما الجانب النفسي فله تأثير غير مباشر؛ فالقلق والتوتر قد يقللان إفراز اللعاب، واللعاب مهم جدًا لأنه يحمي الأسنان من الأحماض. كما أن الشخص الذي يعاني من اكتئاب أو إرهاق شديد قد يهمل نظافة فمه.
عند الحديث عن الأسنان يجب ألا ننسى العلاقة بين صحة الفم وصحة أجهزة الجسم؛ فالبكتيريا الموجودة في الفم يمكن أن تدخل مجرى الدم وتصل إلى القلب، وقد تسبب التهابات خطيرة مثل التهاب الشغاف القلبي، خاصة لدى الأشخاص الذين لديهم مشاكل في صمامات القلب. الدراسات الحديثة أثبتت أيضًا وجود علاقة قوية بين أمراض اللثة وأمراض السكري؛ فالمريض المصاب بالسكري يكون أكثر عرضة لالتهابات اللثة، والعكس صحيح: التهاب اللثة يجعل التحكم في السكر أصعب.
الخلاصة أن الصورة تلخص المشكلات الأكثر شيوعًا، لكنها في الحياة الواقعية قد تكون مترابطة ومتداخلة، وقد يبدأ الشخص بتسوس بسيط ثم يتطور الأمر إلى التهاب، ثم خراج، ثم فقدان السن، وهذا التسلسل يوضح خطورة الإهمال. كما أن الأسنان اللبنية ليست نهاية القصة للأطفال، بل هي أساس الأسنان الدائمة. واصفرار الأسنان ليس مجرد لون؛ بل قد يكون رسالة مهمة بأن هناك شيئًا غير طبيعي يحدث للمينا أو العاج.