السمنة: "الطاعون الثامن" في العالم
السمنة: "الطاعون الثامن" في العالم
ما هي الحلول لكبح هذه الافة؟
أصبحت السمنة آفة عالمية. في العديد من البلدان، وخاصة الأكثر تطورًا، يُعتبر الوزن الزائد مشكلة صحية عامة. باختصار، أصبحت السمنة وباءً عالميًا حقيقيًا لا يتوقف عن الانتشار بشكل مقلق. المشكل هو أننا امام معضلة كبرى، لكون ان السمنة هي مرض مزمن ومعقد يرتبط بأكثر من 200 مرض آخر (كالسكري، أمراض القلب، والسرطان).لكبح هذا "الشر" المستشري، لا يوجد حل سحري واحد، بل نحتاج إلى هجوم متعدد الجبهات يشمل الفرد، المجتمع، والأنظمة الصحية.
في عام 2022، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، كان شخص واحد من كل ثمانية في العالم يعاني من السمنة، أي حوالي 890 مليون بالغ و160 مليون طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 19 عامًا. الدليل على الانتشار المتسارع لهذه "الظاهرة" هو أنه منذ عام 1990، تضاعف عدد البالغين المصابين بالسمنة أكثر من مرتين بينما تضاعف عدد المراهقين أربع مرات. علاوة على ذلك، كان أكثر من 2.5 مليار بالغ يعانون من زيادة الوزن في عام 2022، منهم مليار في حالة سمنة.

الأكثر رعبًا هو عدد الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن والذي يُقدّر بـ 35 مليونًا في عام 2022. وبذلك، وصفت منظمة الصحة العالمية هذه الحالة بأنها "جائحة عالمية للسمنة" داعية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهتها. من الصعب، في جميع الأحوال، كبح جماح وباء بهذا الحجم دون مشاركة أكبر عدد ممكن من الفاعلين، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. في الواقع، المشكلة معقدة للغاية لأنها ليست مرضًا عاديًا يمكن علاجه بتناول الأدوية أو حقن اللقاح. السمنة غالبًا ما تكون من العاءدات السلبية التي تنتجها الرفاهية الحضارية ونمط حياة "فاسد" يعتبر ليس إلا تجسيدها المادي. و لذالك، يجب معالجة المجتمع قبل الفرد.
و في هذا السياق، وضعت منظمة الصحة العالمية في توصياتها الأفراد والمجتمعات المدنية في قلب الحل. في خطة تسريع لإنهاء السمنة، التي اعتمدتها الدول الأعضاء في عام 2022، و التي تضمنت الإجراءات العاجلة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية للتغلب على هذه الظاهرة، نجد انها تتوجه الى الحكومات والمجتمع المدني والفرد على حد سواء. في هذا الاطار، يتم التركيز على محورين أساسيين: التغذية السليمة و توفير فرص الأنشطة البدنية. على المستوى الحكومي والمجتمعي، يُوصى بأن تقوم الحكومات بإنشاء بيئات تُسمى "غير مسببة للسمنة"، وذلك من خلال تسهيل الوصول إلى غذاء صحي وممارسة الأنشطة الرياضية. في هذه الحالة، فإن استخدام التدابير الضريبية، مثل فرض ضرائب مرتفعة على المشروبات السكرية، القادرة على توجيه المستهلكين نحو خيارات غذائية أكثر صحة، يعد جزءًا من التدخلات المقترحة. في نفس السياق، يُوصى بتقييد تسويق وإعلانات ورعاية الأطعمة والمشروبات عالية السعرات الحرارية.
عماليا، هذه خطة الطريق،شاملة للحلول، يمكن ان نبلورها عبر النقاط التالية:
أولاً: الحلول الفردية (تغيير نمط الحياة)
التغذية الواعية بدلاً من الحرمان:
الابتعاد عن "الحميات القاسية" (Dieting) لأنها غالباً ما تؤدي لانتكاسة.
التركيز على الكثافة الغذائية: تناول أطعمة تشعرك بالشبع وسعراتها مقبولة (خضروات، بروتين، ألياف) وتقليل الأطعمة عالية السعرات فقيرة الفائدة (السكريات، المعجنات، الزيوت المهدرجة).
قاعدة 80/20: 80% طعام صحي، 20% طعام للمتعة لضمان الاستمرارية.
الحركة الذكية:
الدمج بين تمرينات المقاومة (رفع الأوزان) لبناء العضلات (التي تحرق الدهون حتى أثناء الراحة) والتمارين الهوائية (المشي، السباحة) لصحة القلب.
زيادة النشاط غير الرياضي (NEAT): مثل صعود الدرج بدلاً من المصعد، والمشي أثناء المكالمات الهاتفية.
النوم وإدارة التوتر:
قلة النوم ترفع هرمون الجوع (الجريلين) وتخفض هرمون الشبع (اللبتين).
التوتر يرفع هرمون "الكورتيزول" الذي يحفز تخزين الدهون في منطقة البطن.

ثانياً: الحلول الطبية والعلاجية:
السمنة مرض بيولوجي، وفي كثير من الأحيان لا تكفي الإرادة وحدها إذا كانت الهرمونات تعمل ضدك:
الفحص الطبي الدقيق: التأكد من عدم وجود خمول في الغدة الدرقية، أو مقاومة أنسولين، أو تكيس مبايض (عند النساء).
العلاجات الدوائية الحديثة: شهد العالم ثورة مؤخراً بظهور أدوية (مثل GLP-1 agonists) التي تساعد في ضبط الشهية وتحسين استجابة الجسم للأنسولين، ولكن يجب أن تؤخذ تحت إشراف طبي صارم.
الجراحات (بارياتريك): في حالات السمنة المفرطة التي تهدد الحياة، تكون عمليات التكميم أو تحويل المسار حلاً جذرياً لإنقاذ المريض، بشرط الالتزام بنمط حياة صحي بعدها.
ثالثاً: الحلول النفسية والسلوكية:
كثير من حالات السمنة نابعة من "الجوع العاطفي":
علاج الأكل العاطفي: تعلم كيفية التعامل مع المشاعر (الحزن، الملل، القلق) بغير الطعام.
تغيير البيئة المحيطة: "بعيد عن العين، بعيد عن المعدة". إزالة المحفزات (الحلويات والمقرمشات) من المنزل والمكتب.
رابعاً: الحلول المجتمعية والحكومية :
لا يمكن لوم الفرد وحده في بيئة "تسمين" (Obesogenic Environment):
ضرائب السكر: فرض ضرائب مرتفعة على المشروبات الغازية والأطعمة المصنعة (كما فعلت بعض الدول ونجحت في خفض الاستهلاك).
التخطيط العمراني: تصميم مدن تشجع على المشي وركوب الدراجات بدلاً من الاعتماد الكلي على السيارات.
التعليم المبكر: دمج الثقافة الغذائية ومادة الطبخ الصحي والرياضة كأجزاء أساسية في المناهج المدرسية وليست هامشية.
تقييد إعلانات الوجبات السريعة: خاصة تلك الموجهة للأطفال.
الخلاصة:القضاء على السمنة يتطلب التحول من عقلية "البحث عن الرشاقة السريعة" إلى عقلية "بناء الصحة المستدامة". إنه صراع طويل الأمد يتطلب صبراً، رحمة بالنفس، وتكاتفاً بين وعي الفرد وتشريعات الدول. بقوة الارادة كل العواقب تسقط و الافاق تتفتح.. كالورود.