رجال ولكن مراهقون ، نساء ولكن مراهقات.
لا تتجاوز ظاهرة الهشاشة النفسية الطبقة الوسطى لتنزل إلى الطبقة الدنيا، فإن العالم العربي الذي يبلغ عدد القابعين تحت خط الفقر في بعض بلدانه أكثر من 60% من السكان ، هؤلاء المعدمين كادحون ولا مجال لانتشارالهشاشة النفسية فيهم ، فمنذ صغرهم يتعرضون لتحديات ضخمة وصعوبات جمة تجعل نفسيتهم أكثر صلابة وخشونة من غيرهم من الطبقات الاجتماعية الأعلى منهم.
وذلك بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال والتي تؤدي إلى تعظيم الأنا وتضخيم الألم
تضخيم الأنا
سأل المؤلفان جريج لوكانيوف وأستاذ علم النفس جوناثان هايدت، في كتابهما (تدليل العقل الأمريكي) مجموعة من الأسئلة ، ووضحا في كتابها إحدي نتائج هذه الهشاشة لجيل المراهقة، فذكر أن شباب وفتيات اليوم يضخمون أي مشكلة في حياتهم إلى درجة تصويرها بوصفها كارثة وجودية، في عملية تسمى في علم النفس ب Pain catastrophizing .
وهذه العملية عبارة عن حالة شعورية تعتريك عند وقوعك في مشكلة ما تجعلك تؤمن أن ما حدث أكبر من قدرتك على التحمل ، فتشعر بالعجز والانهيار عند حدوث المشكلة وتصف المشكلة بألفاظ مبالغ فيها لا تساوي حجمها الحقيقي.
هذا التضخيم يجعلك تغرق في شعور التحطم الروحي والانهاك النفسي بلا سبيل للخروج منه ، وتحس على الفور بالضياع و فقدان القدرة على المقاومة تماما ، وتستسلم لألمك وتنهار حياتك بسبب هذه المشكلة.
قد لا تصدقني عندما أقول إن هذه الأزمة مجودة في جيل المراهقين بالفعل .
ولكن سأعرض عليك بعض من المشاكل التي يتم عرضها على الاستشارين والمشايخ.
(أرجوك ساعدني ، أنا غبية جداً.. لا أعرف كيف أتكلم مع الناس، وردودي أحيانا سخيفة، لكني صافية من داخلى والله … أنا22 سنة في كلية الطب) وكان الرد بسيطاً: هذه مجرد تهيؤات و دعكك من جلد الذات، ستعلمك الحياة مع الزمن كيف تتعاملين مع المواقف.
( أنا داخل ثانوية عامة ، ونفسيتي مدمرة و فعلا غير قادر على المذاكرة، انصحني أرجوك يا مولانا لأني فعلاً أموت ، ولا أريد أن أخذل أهلي أرجوك رد على). شعور الموت هذا يعتريه قبل أن يبدأ ، فكيف سيتعايش مع هذا الرهاب طيلة العام؟!
قد تتصور أن المراهقة مرحلة عمرية تبدأ مثلا في 13 عاماً، وتنتهي مع حلول 18 أو 19 عاما بحد أقصي، لكن في عالمنا الحديث وبسبب مجموعه من العوامل تطول فترة المراهقة وتمتد أحيانا إلى منتصف العشرينيات .
وبدلا من أن تبدأ مرحلة المراهقة في السنوات الاعدادية، وتنتهي مع آخر سنوات المدرسة و أولى سنوات الجامعة ، فإننا نجد أن جيلنا الحالي تبدأ مراهقته حين يكون في أواخر مرحلته المدرسية وتنتهي ربما بعد تخرجه من الجامعة بسنوات ، فقد أكدت العديد من الدراسات أن متوسط مرحلة المراهقة في العالم حاليا صار ينتهي عند سن 25 عاما!..
أي أن الشاب أو الفتاة قبل بلوغه ل 25 عاماً سيكون مراهقاً في مشاعره، في علاقاته مع الآخرين في تعامله مع مشاكل الحياة وفي فهمه و تصوره عن حقائق الأشياء وطبائع الأمور.
لكن كيف وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه ؟ كيف يتخرج الطالب من جامعته ولا يزال مراهقاُ-وربما طفلاُ- في تصوراته عن الحياة ومسؤلياتها وطبيعتها؟
هل هذا يعني أننا سنعامل طالب أو خريج الجامعة الآن كما نعامل طالب اعدادية قديما؟!
موضوع الهشاشه النفسية موضوع كبير و طويل ولا يكفي مقال واحد لتغطيته لذلك سأكتب عنه في عدة مقالات أخرى