ملخص كتاب " لأ بطعم الفلامنكو " محمد طه .
[ إقتباس ]
"التّغيير يشبه المشي على الصّراط أن تجتاز الجحيم، لتصل إلى جنّة نفسك العامرة."
[ المقدمة ]
كم من البشر اختاروا أن يكونوا هم أنفسهم دون ضغوطاتٍ خارجيةٍ تحدث تغييراتٍ كبيرةً في شخصيّاتهم؟ وكم من البشر اختاروا ألّا يكونوا أنفسهم؟ يبدو الجواب سهلًا في البداية وسيظنّ الجميع أنّ الأغلبية يختارون التفرّد والعيش بشخصياتهم الحقيقية دون ضغوطاتٍ من الخارج ولكنّ الواقع أنّ الكثير يعيشون واقعًا عكس ذلك، قد تكون الرحلة للبحث عن النّفس صعبةً ومجهدةً، ولكنّها تستحق عناء البحث، ولذلك يقدّم لك هذا الكتاب الطريقة الصحيحة للتّغيير من الواقع المفروض عليك إلى النموذج المثالي الذي صنعته لنفسك ولم تنجح بتحقيقه حتّى الآن، ولتحقّق ذلك، لن تحتاج لأكثر من تطبيق الخطوات التي ستتعرّف عليها هنا، فهل أنت مستعدٌّ؟
[ للأبناء حقوق على آبائهم أهمها هو تأهيلهم نفسيا للحياة ]
إنّ برّ الوالدين هو أحد حقوق الأهل على الأبناء، وليس هناك جدلٌ حوله وهو مذكورٌ في كلّ الأديان ولكن ماذا عن حقوق الأبناء؟ كم من أبٍ وأمٍّ نسفوا حياة أولادهم ليجعلوهم نسخًا بائسةً عنهم، كم من أبٍ فرض تخصصًا معينًا على ابنه، وكم من أمٍّ قتلت حبّ أطفالها لأنفسهم لأنّها تكره نفسها، جميعها مشاكل نفسيّةٌ يسبّبها كثيرٌ من الآباء والأمهات لأبنائهم دون إدراكٍ منهم، ويبقى هذا الأثر طويلًا وقد يظلّ طوال العمر وقد ينتقل عبر الأجيال ممّا يسبّب مشكلةً اجتماعيةً كبيرةً أيضًا.
وينتشر بين العائلات تبادل الأدوار، مثلًا أن تقوم الزّوجة بخدمة زوجها في المأكل والمشرب كما تخدم طفلها الذي لم يتجاوز سنّه بضعة شهورٍ، أو أن تصبح الأخت الكبرى هي الأمّ الثانية لباقي الأبناء، إنّ تبادل الأدوار هذا يشتّت الإنسان ممّا يؤثّر على حالته النفسيّة سلبًا، فعلى كلّ إنسانٍ أن يحدّد دوره في العائلة وأن يقوم بما عليه بأكمل وجهٍ.
[ التوحد و التكافل و الافتراق هي المراحل الثلاثة التي تمر بها العلاقات الإنسانية ]
تمرّ العلاقات الإنسانية بمراحل تكاد تكون متشابهةً في كلّ مراحل حياته، المرحلة الأولى هي التّوحّد كما في حالة الطفل الرضيع الذي لم يكوّن أيّ علاقاتٍ بعد، فمن الطبيعيّ أن يكون الطفل متمحورًا حول نفسه فهو بكلّ بساطةٍ خائفٌ من هول التغييرات التي حصلت له في الآونة الأخيرة بعد أن كان مستقرًّا في مكانٍ آمنٍ في رحم أمّه، هذه المرحلة ليست حكرًا على الأطفال، بل نجدها حتّى في بعض العلاقات التي يكون بها أحد الطرفين مهتمًّا بنفسه فقط، وهذا مثالٌ حول العلاقات السامة التي يتمحور فيها الاهتمام على شخصٍ واحدٍ بكلّ أنانيةٍ.
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التكافل، فبعد الخوف الرهيب الذي يصاب به الطفل في أول أيّامه تأتي الفترة التي يكوّن فيها أوّل علاقةٍ وهي بالتأكيد علاقته بأمّه التي تعطيه الأمان الذي يحتاجه، وهذا شيءٌ متقبّلٌ عند الأطفال كالحالة السابقة، ولكن قد يكون هناك شبيهٌ لهذه العلاقة في عالم الكبار، وهو عندما نجد شخصًا مناسبًا فنكتفي به وننعزل عن الباقي وهذه أيضًا علاقةٌ سامّةٌ أخرى.
أما المرحلة الثالثة فهي الافتراق وهي مرحلة إدراك الطفل أنّ الأمّ شخصٌ منفصلٌ مستقلٌّ عنه وقد لا تكون متوفرةً في كلّ الأوقات، ممّا يجعل الأمّ تستبدل وجودها بأيّ شيءٍ يذكّر الطفل بها، كلعبةٍ أو شيءٍ مشابهٍ ليصبر على غيابها، وهذه حالةٌ كثيرٌ من العلاقات التي يكون الطرف بها خائفًا من الفراق والهجر ويريد أيّ إثباتاتٍ للبقاء ممّا قد يؤذي الطرف الثاني وهذا النّوع الثالث للعلاقات السّامة.
[ يسبب المجتمع ضغطا على المتزوجين يجعل العلاقة أقل استقرار ]
ما الزواج إلّا مرحلةٌ تتمّ عندما تجد الإنسان الذي يصلح لإكمال العمر معه، إنّ الزواج مؤسسةٌ مقدسةٌ ولكنّ ضعف الاختيارات وسوءها هو ما يؤدّي إلى هدمها، فليس من اللازم عليك أن تمرّ بمرحلة الزواج، فقط لأنّك أنهيت تعليمك وبدأت بالاستقرار، وليس الزواج محتمًا عليك في سنٍّ معينةٍ، لا تتزوجي لمجرّد أنّ صديقاتك تزوجن، ولا لأجل الفستان الأبيض ولا لكبر سنّك، فالزواج ليس حلًّا لكلّ المشاكل التي قد تقع، بل بهذه الطريقة قد يكون هو المسبّب الأول للمشاكل، إنّ الزواج مسؤوليةٌ كبيرةٌ تقع على عاتق الزوجين فلا ينفع زواجٌ تمّ لمصلحة معينةٍ أو من ضغوطٍ خارجيةٍ أخرى.
وفي الكثير من العلاقات وخصوصًا في البلاد العربية، تبدأ العلاقة بسؤالٍ واحدٍ وهو من سيكون المسيطر على العلاقة، غير آبهين بتكوينٍ علاقةٍ متساوية الأطراف لا يتحكّم فيها أحدهم أكثر من الثاني، وفي بعض الأحيان، يطلب الرجل من المرأة الكثير من الطلبات التي لا تعدّ سوى تحكّمٍ في حياتها الشخصية، تكوّن هذه التدخلات صراعاتٍ نفسيّةً تؤدّي إلى مشاكل كبيرةٍ سيغرق بها الزوجان، لهذا فمن الضروري أن يتعامل أيّ زوجين بعلاقةٍ تتميّز بالمساواة والمشاورة وليس بسيطرة طرفٍ على الآخر.
[ إقتباس]
"ثمن الوعي هو المراجعة بلا هوادة وثمن الرؤية هو إعادة النظر في كلّ شيءٍ وثمن النور هو الخروج من كهوف الظلام التي يسمونها ساعات مناطق الراحة."
[ اقتناع الإنسان بنفسه هو الخطوة الأولى للنجاح و تحقيق الأحلام ]
في فيلم The Greatest Showman يسعى البطل لإثبات نفسه في المجتمع طيلة حياته، ممّا يجعله يفتتح العديد من المشاريع الفاشلة والتي تجعله قريبًا من الإفلاس، ولكن في آخر لحظةٍ تخطر على باله فكرة جمع أكثر الناس غرابةً من ناحية المواهب والشكل وتقديمهم لعروض الجماهير، وقد نجحت هذه الفكرة بالفعل وأصبح الناس يأتون بالأفواج لحضور العروض حتى أصيب البطل بالغرور وبدأ يبتعد عن أهله وعائلته شيئًا فشيئًا.
من المهمّ ذكر أنّ البطل كان قد أحبّ ابنة أحد كبار الأثرياء وكان قد تكبّد الويلات حتى يتزوّجها، وكان لهذا الأمر أثرٌ نفسيٌّ كبيرٌ عليه، فقد أفنى حياته لإثبات أنّه قادرٌ على تحصيل المال وأن يصبح مشهورًا طيلة حياته ليقنع والد زوجته بأنّه كان يستحقّ هذا الزواج بالفعل، سجن البطل نفسه في إحساسه بأنّه لا يستحقّ وبقي يحاول إثبات العكس للعالم، لهذا على الجميع التحرّر من أحاسيسهم التي تقودهم إلى القيام بأعمالٍ قد لا تستحقّ العناء الذي تتطلّبه، ففي نهاية الفيلم كاد أن يخسر البطل عائلته وعمله وكلّ شيءٍ ولكنّ تحرره من أفكار الآخرين عنه هو ما ساعده في تجاوز ذلك.
[ خلق جميع البشر بنفس القابلية للإبداع لكن هذه الحقيقة تتغير لأسباب إجتماعية و نفسية ]
أثبتت دراساتٌ أقامها علماء مدرسة الجيشتالت أنّ الإنسان مبدعٌ بطبيعته، وأنّ أساس الإبداع يأتي منذ الولادة ولكنّه قد يندثر مع الأيام، وكثيرًا ما يكون سبب الإبداع المشاكل والصراعات التي يعاني منها الفرد، وتتغير أشكال الإبداع فحتى اختيار الخيارات الصحيحة يعدّ إبداعًا وعبقريةً، واختيار النّفس دونًا عن غيرها من الأمور يعدّ إبداعًا، كلّ البشر مبدعون بشكلٍ ما لكن عليهم اكتشاف ذلك عبر تصديقه.
لذلك على الناس التّوقّف عن وصف أنفسهم بأوصافٍ سلبيةٍ وتعميمها، والإيمان بأنفسهم وقدراتهم وأن يبدأوا رحلة البحث عن الأفضل فيهم ونشرها كتعريفٍ عنهم ممّا سيجعل الآخرين يقتنعون بها بدورهم، ويجب أن يتعلّم كلّ شخصٍ كيف يعيش لحظته الحالية، وعدم الانشغال بالماضي والندم على ما كان فيه، أو الانشغال بالغد والتخطيط المبالغ فيه لأحداثٍ لا نعلم ما يمكن أن تحمله من جديدٍ، فكلّ ذلك سيفقدنا القدرة على استغلال اللحظة الحالية، إذ إنّ الإنسان لا يملك في حياته إلا لحظته الحالية، وهي اللحظة الوحيدة التي يمكنه استغلالها أفضل استغلالٍ.
[ يمارس الناس بعض الألعاب النفسية بينهم و بين شركائهم تؤدي إلى مشاكل نفسية ]
هناك بعض التصرفات التي يمارسها أحد أطراف العلاقة على الطرف الثاني مما يسبّب أذًى نفسيًّا كبيرًا له، وأحد أكثر الألعاب النفسية شيوعًا في العلاقات هي علاقة القرب والبعد، التي يمارسها أحد الأطراف على الطرف الآخر، فيبدأ بالتّقرب والتواصل بشكلٍ كبيرٍ مع الطرف الثاني، ثمّ عندما يشعر الطرف الثاني بالأمان والحبّ، يبتعد الشخص الأول عنه ويتركه في وسط هذه المشاعر، لا تنتهي اللعبة هنا بل حتى لو حاول الطرف الثاني تجاوز العلاقة والابتعاد عنها، ففي هذه اللحظة بالتحديد سيحاول الطرف الأول الرجوع وإعطاء القدر نفسه من الاهتمام والتقرب حتّى تعود المياه لمجاريها ثم ينهيها كما فعل في المرة الأولى.
وهناك لعبةٌ أخرى هي لعبة "تغيّر لكن ابقى كما أنت"، ويمارس هذه اللعبة عددٌ كبيرٌ من الأزواج، فمثلًا تطلب الزوجة من زوجها أن يتغيّر وتحاول جهدها وتعاني من أجل تغييره وعندما يتغير فعلًا يرفض هذا التغيير وتستمر على تذكيره بالماضي وتبقى المشاكل قائمةً، كما ويرفض بعضهم حقيقة أن يتغير الطرف المقابل حتّى إن كان هو من أصرّ على التغيير منذ البداية، ولعبة ترك متنفّسٍ يمكن اللجوء إليه لعلاقةٍ مكتوبٌ لها الفشل، فمثلًا عند إنهاء علاقة حبٍّ ما كتب لها الفشل، يمكن ترك بابٍ صغيرٍ يمثّل معنى (فلنبق أصدقاء) وذلك على أمل أن يعود كلّ شيءٍ لمجراه، هذه اللعبة منهكةٌ للنفس بشكلٍ كبيرٍ لأنها تترك الشخص معلقًا دون معرفةٍ بالخطوات القادمة.
ولعلّ أكبر المشاكل النفسية تنشأ عن إحدى الألعاب الشهيرة التي يستعملها الأزواج أحيانًا، وهي لعبة "الطلاق اللذي يُسمى زواج"، والتي تبدأ عندما تفقد كلّ أساليب التواصل والتفاهم بينهم، ويستمرّ البعد والجفاء ولكن يختارون بكلّ أنانيةٍ الاستمرار في الزواج تحت مسمّى -لأجل أطفالنا- مع أنّ هذه هي أكثر الأساليب التي تؤذي الطفل نفسيًّا وتؤدّي به إلى وضعٍ أكثر صعوبةً كلّما مضى وقتٌ أكثر على هذه اللعبة.
[ عدد من الحلول التي تساهم في تخطي المشاكل النفسية و تحقيق السلام الداخلي ]
على الجميع التفكير بتفرّدٍ واجتهادٍ للوصول إلى حلولٍ تناسب أوضاعهم وحياتهم، إلا أنّ هناك بعض الحلول والإشارات التي من الممكن أخذها بعين الاعتبار، وذلك بالمرور في (نموذج الخطوات الأربعة) والذي يمثّل: الاحتياج، والعوز، والحقّ، والقرار، فهناك حاجةٌ ملحّةٌ منذ بداية حياة الطفل، وهي إثبات الوجود، ويكون هذا على شكل ثلاثة احتياجاتٍ رئيسةٍ وهي: الاحتياج للرؤية أي أن يصل للإنسان شعورٌ باهتمام الغير به وأنّهم يرونه ويقدرون وجوده، ثم تأتي الحاجة للتمجيد وهي حاجة الأطفال لتكوين مثلٍ أعلى لهم، شخصٌ ما قادرٌ على المستحيل كالأبطال الأقوياء، أما الثالث فهو الحاجة للتوأمة، والتي تعني الحاجة لوجود صديقٍ أو مثلٍ أعلى، وإنّ المرور بهذا يخلق إنسانًا سويًّا.
بعد أن يتمّ إشباع الاحتياجات الأساسية، تبدأ النّفس البشرية بطلب احتياجاتٍ أكثر، وتكون هذه الاحتياجات ثنائيةً، مثل حاجتك لتحبّ شخصًا ما حتّى يحبّك وهكذا، وهذه الاحتياجات أيضًا تبدأ منذ الطفولة، وأول خطوةٍ لتحديد احتياجاتك هي أن تسأل نفسك هذا السؤال ومن ثمّ تبدأ بتقييم العلاقات التي تجمعك بالنّاس إن كانت تناسب احتياجاتك أم لا.
الخطوة التالية بعد أن يدرك المرء احتياجاته، أن يطلبها سواءً أكانت من الطرف الآخر أم من نفسه، بعد أن تصدّق احتياجاتك وتطلبها عليك أن تصدق أنّ هذه الاحتياجات والطلبات هي من حقّك وأنّ تلبيتها حقٌّ أصيلٌ من حقوق الإنسان، ثمّ تأتي مرحلة القرار وهي آخر مرحلةٍ لتنفيذ الوعود السابقة لتحسين النفس وتلبية المطالب والاحتياجات، خذ أكثر قرارٍ حازمٍ وممكنٍ لتحديد ما إن كنت ترغب بالتحسّن حقًّا أم العودة للتخوّف من التغيير والاستسلام للواقع الذي حدّده المجتمع لك.
“الأمل غير المبني على قواعد ثابتةٍ، يؤدّي إلى العجز.”
[ الخاتمة]
التغيير هو أكبر تحدٍّ يواجه الإنسان في حياته، وامتلاك الجرأة على محاولة التغيير هي بداية التغيير، وتحقيق ذلك يكون بأن يحدّد الإنسان الأسباب المعيقة لنجاحه وتطوره، سواءً أكانت هذه المعيقات خارجيةً مثل الأهل أو الشريك أو البيئة المحيطة، أم داخليةً مثل عدم الثقة بالنفس أو الخوف أو الإحباط، وتخطيها هو الخطوة الأولى للوصول إلى التوافق مع النفس أو الرّضا عن الذات، وهذا الكتاب يساعد القارئ في التعرف على احتياجاته ومخاوفه وحقوقه النفسية، ومدى صواب قراراته، ويعينه في اجتياز العلاقات الخطرة ليصل به لمقابلة نفسه ومعرفتها كما لم يكن يعرفها من قبل.