الإكتئاب على مر العصور

الإكتئاب على مر العصور

0 المراجعات



١-ما هو الإكتئاب:

الإكتاب: كما يراه الباحث: هو حالة مرضية نفسية تتسم بالشعور باليأس والكرب والحزن وعدم الرغبة فى الإهتمام بالأنشطة اليومية المعتادة. وقد يؤثر على الشهية وطبيعة الأكل وجودة الحياة على وجه العموم. ويؤثر أيضاً على النوم والطاقة الجسدية والروحية . ويتسبب في افكار سلبية أو انتحارية وتصرفات غير طبيعية وغير مقبولة.

وبتعريف آخر: هو مرض يصيب الجسد والذهن معا فتظهر أعراض نفسية وجسدية على المريض، وتختلف من شخص لآخر وتتنوع أعراض الإكتئاب فتظهر واضحة لدى بعض المرضى، ومختفية لدى البعض الآخر. فهناك أشخاص لا تظهر عليهم أى أعراض إطلاقا ولكن تصبح سلوكياتهم غريبة بعد ذلك.


*المعنى اللغوى للإكتئاب:

يقال إكتأب فلان يعني حزن ويأس وانكسر. والكآبة هى تغيير النفس من الإعتزاز إلى الإنكسار ومن راحة البال إلى الهم ومن الفرح إلى الحزن. ويقال رماد مكتئب اللون أى مال إلى السواد. ويقال وجه كئيب أى ظهرت عليه علامات الحزن والهم والانكسار. وهذا التعريف يتناول صورة الحزن ببساطة إلى تناول التغيير النفسى والسلوكى الناتج عن ذلك.


*الاكتئاب عبر العصور:

الإكتئاب من أقدم الأمراض النفسية وقد وجدت أوصاف فى عدد من النصوص القديمة تشبه ما نشخصه بالإكتئاب فى عصرنا الحالى.

وقد وصف أبقراط المكنى (بأبى الطب) 377-٤٦٠ ق.م وقال بأن المالنخوليا melancholia كأهم الأمراض العقلية والنفسية وأرجع ذلك إلى اختلال التوازن بين سوائل الجسم. وقال إن سوائل الجسم تتكون من أربعة سوائل وهم. الخلط السوداوى، والخلط الصفراوى، والخلط الدموى، والخلط البلغمى. وقال أبقراط إذا تغلب الخلط السوداوى على باقى الأخلاط تأتى حالة المالنخوليا. بينما قال جالن galen بعد ذلك أنه إذا اختلط الخلط السوداوى بالخلط الصفراوى وتزايد الإثنان عن الباقين أدى ذلك إلى اضطراب المزاج.

وفى العام ١٦٢١م نشر الطبيب الإنجليزي روبرت بيرتون robert berton كتابه وهو the atonomy of melancholia  الذى قال فيه أن هذا المرض هو مرض عالمى.

فى القرن التاسع عشر أصبح الإكتئاب محل اهتمام كبار الأطباء النفسيين، أمثال كريبلين ، kraeplin  وفرويد freud  ، وشنايدر schneider ، وامتدت كتبهم إلى أواسط القرن العشرين وساهمت فى معرفة الاكتئاب.

أما فى النصف الثانى من القرن العشرين أصبح الإهتمام بهذا المرض كبيراً جداً لدرجة أن الكاتب كليرمان klerman  1979 قال ( إن هذه الفترة يمكن أن تسمى بعصر المالنخوليا) age of melancholia.

وفى عصرنا الحاضر أصبح الإكتئاب ثانى أكبر سبب للإعاقة بعد أمراض القلب. بتقدير منظمة الصحة العالمية (who).


*الإكتئاب فى القرآن والأدب:

الإكتئاب والحزن ظاهرة إنسانية عالمية تشمل العجم والعرب. فكيف إذا كان عند العرب وهم يتقنون اللغة والتعبير، وقد جاءت دواوين العرب مليئة بالكثير من المصطلحات التي تدل على إتقانهم التعبير عن العواطف والحزن والتفنن فى وصفها.

والإكتئاب مشقة بيولوچية وقد دل على ذلك قول الله عز وجل فى كتابه العزيز ( لقد خلقنا الإنسان فى كبد ) والكبد هنا يعني المشقة فى كل شيء بما فى ذلك النفس والمزاج والوجدان. فهى موجودة منذ قديم الزمان وتأتى فى أوقات مختلفة وبتعبيرات مختلفة.

وأيضاً يدل قول الله تعالى على وجود الحزن والإكتئاب بسبب الهزيمة فى غزوة أحد ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ) وهذه الآية الكريمة تحمل معنى دقيق يستشعر الحالة النفسية للمهزومين وهى الحزن، والإنكسار ويتبعها ب ( وأنتم الأعلون ) كتطييب لنفوسهم ورفع معنوياتهم وكتعبير هو من اعظم مبادىء العلاج النفسى الحديث واسترجاع القيم المكسورة restoration of morale   وكأن الله عز وجل يذكرهم بما حققوه من إنجازات من قبل وكأنه يقول لهم هذه هي مواصفاتكم وبإمكانكم تحقيق النجاح دائما وأما خسارتكم هذه فاستثناء وليست قاعدة ويمكن تعويضها. ومن هنا يأتى العلاج المعرفى ومنطقية الأمور وإخضاعها للعقل. والأمثلة فى كتاب الله كثيرة جدا.

أما الإكتئاب عند العرب فله نصيب كبير من دواوين الشعر. مثل شعر ( مجنون ليلى ) حينما قال

                       وأمطر فى التراب سحاب جفنى :::: وقلبى فى هموم واكتئاب

ويخاطب أبو نواس أحد المكتئبين ويقول.

                                        يامثالا من هموم :::: يا تباريح كآبة

وكذلك أوس بن حجر عندما تعرض إلى حالة شديدة من الحزن قال.

                             فلم أر يوماً كان أكثر باكياً :::: ووجها ترى فيه الكآبة تجنب

وأيضاً أبو تمام جمع مواصفات كافية لتشخيص الإكتئاب فى بيت واحد وقال.

                          هبي ترى قلقا من تحته أرق :::: يحدوهما كمد يحنو له الجسد

ولا ننسى المتنبى عندما تحدث عن هبوط المزاج وقال.

                           الحزن يقلق والتجمل يردع :::: والدمع بينهما عصى طيع

وقال أيضا عندما تمنى الموت.

                           كفى بك داء أن ترى الموت شافياً :::: وحسب المنايا أن يكن أمانيا

وقال أيضا عندما مله الفراش وأتعبه القلق.

                                  أرق على أرق ومثلى يأرق :::: وجوى يزيد وعبرة تترقق

والمتنبى أيضاً يجمع بين الإكتئاب ونحول الجسد ويقول.

                               كفى بجسمى نحولا أننى رجل :::: لولا مخاطبتى إياك لم ترنى

وأيضا امرؤ القيس عندما وصف الليل بموج البحر والهموم ولم ير حتى أن الصبح أفضل حيث قال .

                               وليل كموج البحر أرخى سدوله:::: علي بأنواع الهموم ليبتلى

                                      فقلت له لما تمطى بصلبه:::: وأردف إعجازا وناء بكلكلى

                                 ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى:::: بصبح وما الإصباح منك بأمثلى.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

1

متابعهم

2

مقالات مشابة