"محارب بلا سيف".. كيف نحمي نفسية طفل السرطان من الانهيار ونزرع الأمل وسط الألم؟
"محارب بلا سيف".. كيف نحمي نفسية طفل السرطان من الانهيار ونزرع الأمل وسط الألم؟

لا توجد كلمات في قواميس اللغة تصف اللحظة التي يسمع فيها أب أو أم تشخيص طفلهم بمرض السرطان. إنها اللحظة التي يتوقف فيها الزمن، وينخلع فيها القلب. فجأة، يتحول عالم الطفولة البريء المليء بالألعاب والضحك إلى عالم بارد من المستشفيات، الإبر، والمحاليل الكيماوية.
نحن نركز كل طاقتنا على "الجسد": التحاليل، الأدوية، ونسب الشفاء. لكننا أحياناً، وسط هذه المعركة الشرسة، ننسى "الروح" التي تسكن هذا الجسد الصغير.
الصحة النفسية للطفل مريض السرطان هي نصف العلاج، وربما أكثر. فالجسد قد يهزمه الدواء، لكن الروح تحتاج إلى دواء من نوع آخر: الحب، الأمان، والأمل.
في هذا المقال، لن نتحدث كأطباء، بل سنتحدث كبشر، عن كيفية احتواء هذا "البطل الصغير" نفسياً ليعبر هذا النفق المظلم وهو متمسك بالنور
1. الخوف من المجهول.. (الوحش الحقيقي)
الطفل لا يفهم معنى "خلايا سرطانية" أو "بروتوكول علاجي". هو يفهم شيئاً واحداً فقط: "أنا أتألم، وأمي تبكي، وهناك غرباء يغرسون الإبر في يدي".
الخوف هو العدو الأول لنفسية الطفل. هو يخاف من انفصاله عن البيت، يخاف من تغير شكله (تساقط الشعر)، ويخاف من نظرات الشفقة.
دورك هنا: بسّط له المعلومة. لا تكذب عليه وتقول "هي مجرد انفلونزا"، لأن الأطفال أذكياء ويشعرون بالكذب مما يفقدهم الثقة والأمان.
قل له بأسلوب قصصي: "هناك جنود أشرار صغار جداً في دمك، ونحن سنأخذ دواءً قوياً (البطل الخارق) ليحاربهم وطردهم". تحويل المرض إلى "قصة بطولة" يمنحه شعوراً بالسيطرة بدلاً من العجز.
2. "أنا لسه طفل!".. الحق في اللعب
أخطر ما يفعله السرطان هو أنه يسرق "هوية الطفل". فجأة يصبح اسمه "المريض رقم كذا".
للحفاظ على الصحة النفسية، يجب أن نذكره دائماً بأنه "طفل" أولاً، و"مريض" ثانياً.
السرطان لا يمنع اللعب (حتى لو كان لعباً هادئاً في السرير). الألوان، القصص، الدمى، والضحك هي أسلحة فتاكة ترفع المناعة وتحسن الحالة المزاجية. لا تجعلوا البيت أو الغرفة كئيبة وصامتة. الضحك يفرز "الإندورفين" المسكن للألم الطبيعي. اسمحوا له أن يمارس هواياته، وأن يتواصل مع أصدقائه (عبر الفيديو إن تعذرت الزيارة)، ليشعر أن حياته مستمرة ولم تتوقف.
3. أزمة "المرايا".. وتقبل الشكل الجديد
تساقط الشعر، شحوب الوجه، تغير الوزن.. هذه ليست مجرد أعراض جانبية، بل هي صدمة نفسية عنيفة للطفل (خاصة البنات).
هنا يأتي دور الاحتواء العظيم. لا تخفِ المرايا، بل علميه أن جماله ينبع من قوته وابتسامته.
يمكن تحويل الأمر للعبة (باروكات ملونة، قبعات مضحكة، أو حتى رسم حناء جميلة على الرأس).
والأهم: نبهوا الأقارب والزوار. نظرات "الشفقة" أو البكاء عند رؤيته تذبحه نفسياً. نحن نحتاج نظرات "فخر" و"تشجيع"، لا نظرات وداع أو حزن.
4. أنتم "المرساة".. (رسالة للأب والأم)
الطفل يرى العالم من خلال عيون والديه. إذا رأى في عينيك الانكسار والرعب، سيشعر هو بالخطر. وإذا رأى الصمود والابتسامة (رغم الألم)، سيشعر بالأمان.
من أجل الدعم النفسي لطفلك، يجب أن تدعم نفسك أولاً. لا بأس أن تبكي، لكن ليس أمامه. كوني قوية لأجله.
احضنيه كثيراً. التلامس الجسدي يقلل التوتر ويشعره أنه ليس وحيداً في هذه المعركة.
5. لا تعزلوه عن العالم
الحماية الزائدة (Overprotection) تضر أكثر مما تنفع. حبسه في "قوقعة زجاجية" خوفاً عليه يجعله يشعر بالعجز والاختلاف.
عامليه بشكل طبيعي قدر الإمكان. اطلبي منه ترتيب سريره (إذا استطاع)، عاتبيه بلطف إذا أخطأ. استمرار القواعد التربوية يشعره أن الحياة تسير بانتظام، وهذا يمنحه طمأنينة خفية بأن "كل شيء سيكون على ما يرام".
كلمة أخيرة
أطفال السرطان ليسوا مجرد مرضى، هم معلمون صغار للصبر والقوة.
رحلة العلاج طويلة ومرهقة، لكن تذكروا أن "النفسية" هي الوقود الذي سيجعلهم يكملون الطريق.
لا تتركوا المرض يسرق ضحكتهم، فربما تكون تلك الضحكة هي السبب الحقيقي في الشفاء. كونوا بجانبهم، ليس فقط بالأدوية، بل بالقلوب التي تنبض حباً وأملاً في غدٍ أجمل.