متلازمة جوسكا: حين يتحول الحديث مع الذات إلى سجن من الأفكار

متلازمة جوسكا: حين يتحول الحديث مع الذات إلى سجن من الأفكار

0 المراجعات

 

متلازمة جوسكا (Jouska Syndrome) ليست مرضًا معترفًا به رسميًا في الطب النفسي، لكنها ظاهرة نفسية يعاني منها الكثيرون دون أن يدركوا اسمها. تتمثل في انغماس الشخص في حوارات داخلية متكررة مع نفسه، حيث يخلق سيناريوهات افتراضية قد تكون خيالية بالكامل أو محادثات لم تحدث، لكنه يعيشها وكأنها واقع. 

هذه الحوارات غالبًا ما تكون متوترة أو سلبية، وتستهلك وقتًا طويلًا من اليوم، لدرجة أن الشخص قد يجد نفسه يكرر نفس السيناريوهات الذهنية مرارًا دون توقف. في البداية، قد يبدو هذا التفكير العميق مجرد عادة، لكنه قد يتطور إلى ظاهرة مرضية تؤثر على التفاعل الاجتماعي والتركيز والإنتاجية.

#### لماذا يعاني البعض من متلازمة جوسكا؟

هناك أسباب متعددة تجعل الشخص يغرق في هذا النمط من التفكير المتكرر. الوحدة والعزلة الاجتماعية من العوامل الرئيسية، حيث يجد الشخص في هذه الحوارات متنفسًا يعوض غياب التفاعل الحقيقي مع الآخرين. كذلك، الضغوط الحياتية والصدمات النفسية تدفع بعض الأشخاص إلى مراجعة مواقفهم في أذهانهم مرارًا، وكأنهم يحاولون إصلاح ما لا يمكن تغييره. 

أحيانًا، يكون السبب مرتبطًا بـ الثقة بالنفس والخوف من المواجهة، فيعيش الشخص الحوارات التي لم يجرؤ على قولها بصوت عالٍ. إضافةً إلى ذلك، قد تكون المتلازمة مرتبطة باضطرابات أخرى مثل القلق، والاكتئاب، والوسواس القهري، حيث يصبح التفكير الزائد جزءًا من النمط العقلي للمصاب.

#### كيف تؤثر متلازمة جوسكا على الحياة اليومية؟

عندما تصبح جوسكا عادة يومية، يبدأ الشخص في الانسحاب من الواقع والانغماس في عالمه الداخلي. أحد أبرز التأثيرات هو التراجع في الأداء الدراسي أو المهني بسبب الشرود الذهني المستمر. كما أن التفاعل الاجتماعي يصبح عبئًا، حيث يفضل المصاب هذه الحوارات الداخلية على التواصل الحقيقي مع الآخرين، مما يؤدي إلى عزلة متزايدة. 

حتى على المستوى الجسدي، قد يعاني البعض من التعب والأرق، لأن هذه الحوارات تستمر حتى أثناء الليل، مما يجعل النوم صعبًا. مع مرور الوقت، يمكن أن تتطور الحالة إلى اكتئاب أو قلق مزمن، لأن الشخص يستمر في إعادة سيناريوهات مؤلمة بدلًا من المضي قدمًا.

#### عندما يصبح الخيال أقوى من الواقع: قصص حقيقية

# منة الله: ضاعت بين الواقع والخيال

منة الله، طالبة جامعية، اعتادت الحديث مع نفسها لترتيب أفكارها. لكن ما بدأ كعادة بسيطة تحول إلى عالم بديل تعيش فيه. تقول: “كنت أجلس بالساعات أفكر في مواقف لم تحدث، أرد على أشخاص في رأسي، وأعيش سيناريوهات كنت أتمنى أن تحدث.” المشكلة أنها لم تعد تفرق بين الخيال والواقع، حتى أن والدتها لاحظت تغيرها الشديد. عندما استشارت طبيبًا نفسيًا، اكتشفت أنها تعاني من متلازمة جوسكا. مع العلاج، بدأت تستعيد وعيها بالواقع، لكنها تقول: “كان يجب أن أطلب المساعدة مبكرًا بدلًا من أن أضيع في رأسي.”

# عبدالله: حين يصبح الحوار الداخلي بديلاً عن التواصل الحقيقي

عبدالله (24 عامًا) وجد نفسه غارقًا في حوارات داخلية بعد تعرضه لضغوط مالية شديدة. لم يكن لديه من يثق به ليتحدث عن مشكلته، فبدأ يناقشها مع نفسه مرارًا وكأنه يحاول إيجاد حلول. لكنه سرعان ما لاحظ أن هذه الحوارات لم تعد تساعده بل أصبحت تستنزفه. يقول: “كنت أقضي ساعات يوميًا أكرر نفس الأفكار، حتى أصبحت أكثر عزلة وأقل تفاعلًا مع أصدقائي.” أدرك لاحقًا أن هذه العادة زادت من شعوره بالعجز بدلًا من مساعدته. قصته تؤكد أن التفكير في المشكلة ليس حلًا لها، بل يجب البحث عن دعم حقيقي والتواصل مع الآخرين.

#### هل يمكن علاج متلازمة جوسكا؟

لحسن الحظ، هناك طرق فعالة للتعامل مع هذه المتلازمة قبل أن تتحول إلى مشكلة مزمنة. أول خطوة هي الوعي بالمشكلة – إذا كنت تقضي ساعات في حوارات داخلية متكررة، فهذا مؤشر على وجود شيء يحتاج للتغيير. من أبرز أساليب العلاج:

 • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد الشخص على فهم أفكاره والتحكم فيها، بدلًا من السماح لها بالسيطرة عليه.

 

• تمارين اليقظة الذهنية (Mindfulness): تساعد على العيش في اللحظة الحالية، مما يقلل من الانجراف في الحوارات الذهنية المطولة.

 

• ممارسة نشاطات اجتماعية: الانخراط في هوايات أو أنشطة مع الآخرين يقلل من الوقت المتاح للخيال والتفكير الزائد.

 

• التعبير عن الأفكار بطرق أخرى: التدوين، الرسم، أو حتى الحديث مع صديق موثوق يمكن أن يكون بديلًا صحيًا للحوار الداخلي المتكرر.

#### الدعم الاجتماعي: كيف يمكن مساعدة شخص يعاني من جوسكا؟

إذا كنت تعرف شخصًا يميل إلى العزلة ويقضي وقتًا طويلًا في التفكير الداخلي، فمن المهم إظهار الدعم والتفهم. حاول أن تشجعه على التحدث عن مشاعره بدلًا من كبتها في ذهنه. لا تقلل من مشكلته أو تستخف بها، بل ساعده في إيجاد طرق للتواصل والانخراط في الحياة الواقعية. حتى مجرد الاستماع له يمكن أن يكون خطوة كبيرة في إخراجه من عالمه الداخلي.

 

التفكير مع النفس ليس مشكلة في حد ذاته، بل يمكن أن يكون وسيلة مفيدة لفهم الذات واتخاذ قرارات أفضل. لكن عندما يتحول إلى عادة مستمرة تعطل الحياة اليومية، يصبح مشكلة تستدعي الانتباه. الحل ليس في قمع الأفكار تمامًا، بل في إيجاد توازن صحي بين التفكير والتفاعل مع العالم الحقيقي. إذا كنت تشعر أن متلازمة جوسكا تؤثر على حياتك، فلا تتردد في طلب المساعدة – فأحيانًا، الحديث مع الآخرين هو كل ما نحتاجه للخروج من دائرة أفكارنا.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة