لماذا نعشق من يكسرنا؟ ولماذا نضحك وبداخلنا بركان من الدموع؟

لماذا نعشق من يكسرنا؟ ولماذا نضحك وبداخلنا بركان من الدموع؟

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

هل سبق لك أن تساءلت لماذا ينجذب البعض كالفراشات إلى النار، يختارون شريكاً يذيقهم العذاب ألواناً، بينما يتركون من يقدم لهم الحب على طبق من ذهب؟ وفي مشهد آخر من مسرحية الحياة، لماذا نرى الشخص الأكثر ضحكاً وصخباً في المجلس هو نفسه الذي يغرق وسادته بالدموع ليلاً؟

​إن النفس البشرية غابة متشابكة من الأسرار، وهذان السؤالان هما أكثر ما يحيرنا. دعونا نغوص معاً في أعماق هذا اللغز لنكتشف الدوافع الخفية وراء "عشق الجلاد" و "قناع المهرج الحزين".

أولاً: لماذا ننجذب لمن يؤذوننا؟ (عقدة البحث عن المألوف)

image about لماذا نعشق من يكسرنا؟ ولماذا نضحك وبداخلنا بركان من الدموع؟

قد يبدو الأمر غير منطقي، فغريزة الإنسان تبحث عن الأمان، فلماذا نركض نحو الخطر العاطفي؟ علماء النفس لديهم إجابات قد تدهشك:

​1. نحن نعشق ما هو مألوف لا ما هو صحي:

عقلنا الباطن مبرمج على تكرار الأنماط التي عشناها في طفولتنا. إذا نشأ الشخص في بيئة كان الحب فيها مشروطاً بالألم، أو كان عليه بذل مجهود خرافي لنيل رضا والديه، فإنه سيبحث لا شعورياً عن شريك يجعله يشعر بنفس المشاعر. هو لا يبحث عن الألم بحد ذاته، بل يبحث عن "المألوف". الحب الهادئ والمستقر قد يبدو له "مُملاً" أو "غريباً".

​2. وهم "المنقذ" والسيطرة:

ننجذب للشخص الصعب أو المؤذي لأننا نقع في فخ الاعتقاد بأننا القادرون على تغييره. نقول لأنفسنا: "هو قاسٍ مع الجميع، لكن حبي سيجعله وديعاً". هذه الفكرة تغذي "الأنا" لدينا، وتشعرنا بالقوة والسيطرة، لكنها في النهاية معركة خاسرة تستنزف أرواحنا.

​3. كيمياء الحب المتقطع:

العلاقات السامة تعمل مثل الإدمان. الشريك المؤذي لا يكون مؤذياً طوال الوقت؛ هو يعطيك لحظات من السعادة الغامرة ثم يسحبها فجأة. هذا التذبذب يخلق ما يسمى بـ "التعزيز المتقطع" (Intermittent Reinforcement)، مما يجعل الدماغ يفرز الدوبامين بشراهة في لحظات الرضا، فنصبح مدمنين على انتظار تلك اللحظات القليلة وسط بحر من الألم.

ثانياً: لماذا يضحك البعض وهم محطمون من الداخل؟ (متلازمة البلياتشو)

image about لماذا نعشق من يكسرنا؟ ولماذا نضحك وبداخلنا بركان من الدموع؟

على الجانب الآخر، نرى وجوهاً ضاحكة تخفي خلفها أرواحاً ممزقة. لماذا نختار الضحك وسيلة للتعبير عن الحزن؟

الضحك كدرع حماية: الضحك هو القناع الأقوى والأسرع. عندما نضحك بصوت عالٍ، نحن نرسل رسالة للمجتمع: "أنا بخير، لا تقتربوا، لا تسألوا". إنه آلية دفاعية تمنع الآخرين من رؤية هشاشتنا، لأن الاعتراف بالضعف يتطلب شجاعة لا يمتلكها الجميع في لحظات انكسارهم.

الخوف من الشفقة: الشخص المكسور غالباً ما يكون عزيز النفس. هو يكره نظرات العطف أو الشفقة في عيون الآخرين، فيفضل أن يلعب دور "صانع السعادة" ليشتت انتباههم عن حقيقته المؤلمة.

الاكتئاب المبتسم: طبياً، هناك ما يسمى بـ "الاكتئاب المبتسم"، حيث يبدو الشخص ناجحاً وسعيداً اجتماعياً، لكنه يعاني من صراعات داخلية طاحنة. الضحك هنا ليس سعادة، بل هو صرخة استغاثة صامتة لا يسمعها إلا من يدقق في لمعة الحزن داخل العينين.

الخاتمة: رحلة التعافي تبدأ بالوعي

إن كنت تجد نفسك تنجذب لمن يؤذيك، فاعلم أنك لست مذنباً، لكنك مسؤول عن شفاء جروحك القديمة لتميز بين "الحب" و"التعود". وإن كنت تضحك لتخفي دموعك، تذكر أن البكاء ليس ضعفاً، ومشاركة الألم مع شخص تثق به قد تكون الخطوة الأولى لتخلع قناع المهرج وتعيش بوجوهك الحقيقية.

الحياة أقصر من أن نقضيها في مطاردة سراب الحب المؤذي، أو الاختباء خلف ضحكات زائفة. ابحث عن السلام، فهو الشكل الأصدق للسعادة.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
mohamed omar تقييم 5 من 5.
المقالات

6

متابعهم

2

متابعهم

3

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.