الإدمان ليس ضعفا..بل مرض يحتاج إلى علاج
الإدمان ليس ضعفًا بل مرض يحتاج إلى علاج
يُعَدّ الإدمان من القضايا الصحية والاجتماعية الخطيرة التي تواجه المجتمعات الحديثة، وقد ارتبط هذا المفهوم لفترة طويلة بنظرة خاطئة تعتبر المدمن شخصًا ضعيف الإرادة أو فاقدًا للقيم الأخلاقية. غير أن التقدم العلمي والطبي أثبت أن الإدمان ليس ضعفًا أو انحرافًا سلوكيًا، بل هو مرض مزمن يصيب الدماغ ويؤثر في طريقة التفكير والسلوك واتخاذ القرار، مما يستدعي التعامل معه بوصفه حالة مرضية تحتاج إلى علاج ورعاية متخصصة.
يعرّف الإدمان بأنه اعتماد نفسي وجسدي على مادة معينة أو سلوك محدد، بحيث يصبح الفرد غير قادر على التوقف عنه رغم إدراكه للأضرار الناتجة عنه. وقد بيّنت الدراسات أن المواد المخدرة تؤثر بشكل مباشر في كيمياء الدماغ، حيث تعبث بمراكز المكافأة والتحفيز، مما يؤدي إلى تغيرات عصبية تجعل التوقف عن التعاطي أمرًا بالغ الصعوبة دون تدخل طبي ونفسي. وهذا يفسر سبب عودة بعض المتعافين إلى التعاطي بعد فترات من الامتناع، وهو ما يُعرف بالانتكاس، الذي يُعدّ من سمات الأمراض المزمنة وليس دليلاً على ضعف الشخصية.
كما تلعب العوامل النفسية والاجتماعية دورًا مهمًا في الإصابة بالإدمان، مثل التعرض للضغوط الحياتية، التفكك الأسري، الصدمات النفسية، أو رفقاء السوء. ولا يمكن إغفال العامل الوراثي الذي يزيد من قابلية بعض الأفراد للإدمان أكثر من غيرهم. وبناءً على ذلك، فإن اختزال الإدمان في كونه ضعفًا أخلاقيًا يُعدّ ظلمًا للمصابين به، ويؤدي إلى وصمهم اجتماعيًا، مما يدفعهم إلى العزلة ويمنعهم من طلب المساعدة في الوقت المناسب.
إن التعامل مع الإدمان بوصفه مرضًا يغيّر طريقة المواجهة والعلاج، حيث يصبح التركيز على توفير برامج علاجية متكاملة تشمل العلاج الطبي لإزالة السموم، والعلاج النفسي لتصحيح الأفكار والسلوكيات الخاطئة، إضافة إلى الدعم الاجتماعي وإعادة التأهيل. وقد أثبتت التجارب أن المدمن الذي يحظى بالدعم الأسري والمجتمعي تزداد فرص شفائه واستقراره بشكل كبير.

وفي هذا السياق، تقع على عاتق المجتمع مسؤولية كبيرة في نشر الوعي وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الإدمان، والانتقال من أسلوب اللوم والعقاب إلى أسلوب الاحتواء والعلاج. كما يجب على المؤسسات التعليمية والإعلامية أن تلعب دورًا فاعلًا في التوعية بمخاطر الإدمان وسبل الوقاية منه، وتشجيع المصابين على طلب العلاج دون خوف أو خجل.
وخلاصة القول، إن الإدمان ليس ضعفًا في الإرادة ولا نقصًا في الأخلاق، بل هو مرض معقّد له أسباب متعددة ويحتاج إلى علاج متخصص وصبر ودعم مستمر. والتعامل الإنساني والعلمي مع هذه القضية هو السبيل الأمثل لحماية الأفراد وبناء مجتمع صحي قادر على مواجهة هذه الظاهرة بوعي ومسؤولية.
وفي الختام، لا بد من التأكيد على أن النظرة الإنسانية والعلمية لقضية الإدمان تمثل حجر الأساس في الحد من انتشاره والتقليل من آثاره المدمرة على الفرد والمجتمع. فكل مدمن هو في الأصل إنسان قد مرّ بظروف قاسية أو تجارب مؤلمة دفعته إلى هذا الطريق، وليس مجرمًا أو شخصًا يستحق النبذ والإقصاء. إن توفير بيئة داعمة خالية من السخرية والاتهام يساعد المصاب على استعادة ثقته بنفسه واتخاذ القرار الشجاع ببدء رحلة العلاج.
كما أن الاستثمار في مراكز العلاج والتأهيل، وتدريب الكوادر الطبية والنفسية المتخصصة، يعد خطوة ضرورية لمواجهة هذه المشكلة بشكل فعّال. ولا يقل دور الأسرة أهمية عن دور المؤسسات، إذ إن التفهم والاحتواء والصبر عناصر أساسية في مساعدة المدمن على التعافي والاستمرار في طريق الشفاء. فالتعافي ليس مرحلة قصيرة، بل مسار طويل يحتاج إلى متابعة ودعم مستمرين.
ومن هنا، يصبح واجبًا أخلاقيًا ومجتمعيًا أن نتكاتف جميعًا لنشر ثقافة الوعي بدل الوصم، والعلاج بدل العقاب، والرحمة بدل القسوة. فبذلك فقط نستطيع أن نمنح الأمل للمتعافين، ونحمي الأجيال القادمة، ونؤكد أن الإدمان مرض يمكن علاجه، وأن الشفاء ممكن متى توفرت الإرادة والدعم والعلاج الصحيح.