منشأ علم الوراثة
تأسيس علم الوراثة يُعزى إلى عدة عقود من البحوث والاكتشافات التي تراوحت بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر. يُعتبر العلماء مثل غريغور ماندل وتوماس هنت معمّرين هذا العلم من خلال دراستهم لظواهر التوريث وتطوّر الأجيال الحية. يعود تاريخ بدايات علم الوراثة إلى العصور القديمة حيث كانت هناك بعض الملاحظات البسيطة عن وراثة الصفات، ولكن الفهم العميق لهذه الظواهر لم يبدأ حتى القرن السابع عشر.
في القرن السابع عشر، كان هناك اهتمام متزايد بدراسة النباتات والحيوانات وطرق تطوّرها وتوريث صفاتها. ومن بين العلماء الذين ساهموا في بناء الأسس الأولى لعلم الوراثة كان الهولندي فريدريك دي راي. في القرن الثامن عشر، أشار دي راي إلى وجود مواد تورثية صغيرة (ما بعد ذلك أطلق عليها اسم الجينات) تنتقل من الأجيال الوالدية إلى الأجيال النسلية. ومع ذلك، لم يكن لديه مفهوم دقيق لطريقة نقل هذه المواد.
في القرن التاسع عشر، بدأ الاهتمام بعلم الوراثة يتزايد بشكل كبير، خاصة بفضل أعمال العالم النمساوي جريغور مندل. من خلال تجاربه على نباتات البازلاء، استطاع مندل تطوير نظرية لتفسير طرق توريث الصفات الوراثية. ومن أهم مساهماته كانت اكتشافه لقوانين التوريث الجيني، والتي أصبحت لاحقًا معروفة بقوانين مندل. هذه الاكتشافات كانت ذات أهمية هائلة في تأسيس علم الوراثة.
في الفترة بين عامي 1856 و1863، قام مندل بإجراء تجارب على نباتات البازلاء حيث درس خصائص معيّنة مثل لون البذور وشكل البذور وطول النبات. استخدم مندل نباتات البازلاء لأنها تتميز بسهولة التلاقيح الصناعية والتنوع الجيني الذي يظهر بسرعة في الأجيال النسلية. أجرى مندل تجارب متعددة تضمنت تهجين مجموعات مختلفة من البازلاء، ومن ثم تتبع التغيّرات في الأجيال النسلية.
بناءً على نتائج تجاربه، وضع مندل ثلاث قوانين أساسية لتوريث الصفات الوراثية وهي:
- قانون الانفصال الذاتي: ينص هذا القانون على أن الصفات الوراثية تنتقل بشكل مستقل وغير مرتبط في عملية التكاثر.
- قانون الفصل المستقل: يشير هذا القانون إلى أن الصفات الوراثية تنتقل من الأجيال الوالدية إلى الأجيال النسلية بشكل مستقل دون تداخل أو تأثير بينها.
- قانون الاكتمال المشترك: وفقاً لهذا القانون، يظهر الصفتان المتنافرتان بوضوح في الجيل الأول من النسل، ثم يظهر الصفتان مجتمعتين في الجيل الثاني.
على الرغم من أهمية اكتشافات مندل، إلا أنها لم تحظى بالاهتمام الكافي في زمنه، ولم يتم التعرف عليها بشكل واسع إلا بعد مرور عقود من الزمن. في الوقت نفسه، كان العالم الفرنسي أوغستين بيرتشاليه يعمل بشكل مستقل في مجال مماثل، حيث قدم أفكاراً مشابهة لتلك التي قدمها مندل بشأن التوريث الوراثي، ولكنه
