الوصمة الاجتماعية: لماذا نخجل من المرض النفسي؟

الوصمة الاجتماعية: لماذا نخجل من المرض النفسي؟

1 المراجعات

الوصمة الاجتماعية: لماذا نخجل من المرض النفسي؟

في مجتمعاتنا، لا يزال الحديث عن المرض النفسي أمرًا يُنظر إليه بشيء من التحفظ، بل وأحيانًا بالخجل أو الخوف. بينما نتعاطف مع من يعاني من مرض جسدي كالقلب أو السكري، نجد كثيرين يخفون إصابتهم بالاكتئاب أو القلق أو غيرها من الاضطرابات النفسية، خوفًا من نظرة الناس، أو من أن يُوصَفوا بأنهم "ضعفاء" أو "مجانين". لكن لماذا هذا الخجل؟ ولماذا نحمل هذه النظرة القاسية لمن يمرّ بألم داخلي لا يُرى بالعين؟

ما هي الوصمة الاجتماعية؟

الوصمة الاجتماعية تعني النظرة السلبية التي يحملها المجتمع تجاه شخص ما بسبب أمر يخصه، كمرض نفسي، أو خلفية اجتماعية، أو سلوك معين. وفي حالة المرض النفسي، تظهر الوصمة في صور كثيرة: السخرية، التهميش، أو الحكم المسبق بأن من يعاني من اضطراب نفسي لا يمكن الاعتماد عليه أو التعامل معه كإنسان "طبيعي".

جذور المشكلة

السبب الأساسي لهذه الوصمة هو نقص الوعي. كثير من الناس لا يعرفون الفرق بين التوتر العابر والقلق المرضي، أو بين الحزن الطبيعي والاكتئاب الإكلينيكي. كما أن الإعلام في بعض الأحيان يُظهر المرضى النفسيين وكأنهم خطرون أو غير متزنين، مما يزيد من الصور النمطية الخاطئة.

كذلك، الخوف من "الكلام" يلعب دورًا كبيرًا. قد يخشى الشخص أن يُقال عنه إنه "مختل" أو "غير صالح للزواج أو العمل" إذا علم الناس بأنه يزور طبيبًا نفسيًا أو يتناول أدوية نفسية. هذه الأحكام الاجتماعية القاسية تدفع الكثيرين للصمت والمعاناة في الخفاء.

آثار الوصمة على الفرد

عندما يخجل الشخص من طلب المساعدة النفسية، قد تتفاقم حالته. فبدل أن يجد الدعم، يشعر بالعزلة والذنب. وفي حالات كثيرة، قد يؤدي هذا إلى مضاعفات خطيرة، مثل الإدمان أو حتى التفكير في الانتحار. الوصمة لا تقتل الجسد، لكنها قد تقتل الأمل.

هل المرض النفسي ضعف؟

المرض النفسي ليس دليلًا على الضعف، بل هو حالة طبية تحتاج إلى علاج ورعاية مثل أي مرض آخر. من يعاني من الاكتئاب أو القلق لا يختار أن يكون كذلك، تمامًا كما لا يختار مريض السكري أن يصاب به. الشجاعة الحقيقية هي في مواجهة المرض وطلب المساعدة.

نحو مجتمع أكثر وعيًا

لإزالة الوصمة، نحتاج أولًا إلى نشر الوعي. يجب أن نتحدث عن الصحة النفسية كما نتحدث عن الصحة الجسدية، دون خجل أو سخرية. يجب أن نعلم أبناءنا أن التعب النفسي ليس عيبًا، وأن الذهاب إلى طبيب نفسي لا يعني الجنون، بل يدل على مسؤولية الإنسان تجاه نفسه.

كما يجب أن نُشجّع الإعلام والمدارس والمؤسسات على تبني خطاب أكثر احترامًا وتفهّمًا، وتوفير الدعم النفسي للعاملين والطلاب وغيرهم.

في الختام

الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من صحتنا العامة، ولا يجب أن نخجل منها أو نخفيها. الوصمة لا تعالج المرض، بل تعيقه. فلنكن أكثر إنسانية وتفهّمًا، ولنفتح قلوبنا وآذاننا لمن يعاني في صمت. فربما بكلمة طيبة أو موقف داعم، نكون سببًا في إنقاذ روح.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

34

متابعهم

2

متابعهم

3

مقالات مشابة