
اضطراب الشخصية الحدية: أسبابه وأعراضه
لاضطرابات الشخصية صفة الدوام -أي أنها تلازم الواحد خلال حياته- مما يجعل التعامل معها تحديًا. واضطراب الشخصية الحدية قد يترك أثرًا شديدًا في حياة صاحبه، وفي علاقاته بمن حوله، وفي كيفية فهمه لمشاعره. ولعل استخدام صيغة المؤنث هنا أصدق؛ إذ تبلغ نسبة النساء للرجال بين أصحاب الاضطراب ثلاث نساءٍ لكل رجلٍ واحدٍ (أي أن 75% من الحالات نساءٌ). ولسنا ننجح في التعامل مع شيءٍ على الوجه الصحيح إلا إذا فهمناه بدايةً. لذا فإن غرض هذا المقال تقديم صورةٍ عامةٍ عن الاضطراب بحيث تكون مدخلًا لمزيدٍ من الفهم.
وأنا أتناول الموضوع في النقاط التالية:
- ما هو اضطراب الشخصية الحدية
- أسبابه وعوامل الخطر
- أعراضه
- كيفية التعامل معه
ما هو اضطراب الشخصية الحدية
ينتمي اضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder) لصنفٍ من الاضطرابات النفسية يُعرَف باضطرابات الشخصية (Personality Disorders). ولذا يتطلب فهمنا لماهية اضطراب الشخصية الحدية فهمًا مسبقًا لمفاهيم الشخصية واضطرابات الشخصية.
يصف مفهوم الشخصية مجموع السمات الفطرية (Innate) والدائمة (Enduring) المميزة لشخصٍ، والتي تشكل ميوله (Attitudes) وأفكاره (Thoughts) وسلوكياته (Behaviours) بإزاء المواقف المختلفة. والمُلاحَظ عمومًا أن بعض السمات تغلب بعضها الآخر عند كل واحدٍ منا. سماتٌ من نوع الخجل أو الثقة بالنفس أو الكرم أو الغضب أو الحساسية أو إلى آخر ذلك. فإن حصل وتسببت السمات الدائمة تلك في خللٍ أو صعوباتٍ للشخص ذاته -أي في علاقته بنفسه- أو للشخص في علاقته بالآخرين، استطعنا القول أنه يعاني اضطرابًا في الشخصية.
ولاضطرابات الشخصية صفة الاستمرار عبر حياة الفرد إذ تبدأ في الطفولة أو المراهقة وتلازم صاحبها في حياته اللاحقة. وهي تؤثر على تجربته الداخلية (Inner Experience) وعلى سلوكه بما يسبب خللًا في أداءه لوظيفته الاجتماعية (Social Function). وتظهر تلك الاضطرابات كمشاكل في إدراك الشخص وتفكيره في نفسه وفي الآخرين، وفي مزاجه واستجاباته العاطفية، وفي سلوكه وعلاقته بنفسه وأدائه المهني والاجتماعي وسيطرته على اندفاعاته (Impulse Control).
فإن عرفنا اضطراب الشخصية الحدية قلنا أنه اضطرابٌ في الشخصية يتصف بالاضطرابات المزاجية، والعلاقات غير المستقرة، وصعوبة السيطرة على الاندفاعات العاطفية، ونحو ذلك مما سأعرضه بتفصيلٍ أكثر عند الحديث عن الأعراض.
أسباب اضطراب الشخصية الحدية
لا يوجد سببٌ واحدٌ أو نظريةٌ واحدةٌ تفسر اضطرابات الشخصية. لكن هنالك عددٌ من العوامل تساهم بقدر أو بآخر في حدوث اضطراب الشخصية الحدية، وهي:
- الجينات: تساهم عوامل الوراثة والعوامل الجينية في تحديد السمات الشخصية (الطبيعية) وبالمثل في حدوث اضطرابات الشخصية.
- تغيرات معينة في بعض وظائف الدماغ: حيث تكون بعض مناطق الدماغ أكثر أو أقل نشاطًا بحسب الاضطراب الذي يعانيه الفرد.
- عوامل بيئية: مثل أحداث الطفولة التي تؤثر على النمو الطبيعي للفرد كالصدمات وسوء المعاملة والاهمال، ومثل الوجود في بيئةٍ أسريةٍ غير مستقرةٍ أو مع آباءٍ متعاطين أو عندهم سجلٌ إجراميٌ.
أعراض اضطراب الشخصية الحدية
نصل للجزء الأهم في المقال، وأشير إلى أمرين لا بد من أخذهما في الاعتبار. أول شيء الأعراض المذكورة تاليًا ليست جميعها حاضرةً بالضرورة عند كل أصحاب الاضطراب، إنما قد يحضر بعضها دون بعضها، وليست بذات الشدة عند الجميع أيضًا. والشيء الثاني أن التشخيص يستلزم رأي طبيبٍ مختصٍ، حيث يجمع الطبيب معلوماتٍ أساسيةٍ للتشخيص كطول مدة الأعراض، ومقدار شدتها، ومقدار التنوع والتغير فيها. كما ويجمع تاريخًا تفصيليًا للحالة، ويقيم الأعراض الظاهرة بنظرةٍ مدربةٍ، ويستبعد الأسباب الأخرى التي قد تسبب أعراضًا مشابهةً.

أما عن الأعراض فهي:
- الخوف من الهجر: لدرجة أن الفرد قد يلجأ لتصرفاتٍ متطرفةٍ ليضمن ألا يبتعد عنه الآخرون.
- علاقاتٌ غير مستقرةٍ: إذ قد يرى أحدهم بصورةٍ مثاليةٍ ثم قد يراه عكس ذلك كشخصٍ قاسٍ أو غير مبالٍ.
- تغيرات سريعة في الكيفية التي يرى بها نفسه: بما فيه تغيرات في أهدافه وقيمه.
- فتراتٌ قصيرةٌ من الارتياب: سببها الشعور بالضغط أو القلق.
- تغيراتٌ مزاجيةٌ: قد تدوم ساعاتٍ أو أيامًا.
- سلوكياتٌ خطيرةٌ أو اندفاعيةٌ: كالمقامرة أو القيادة السريعة أو الإفراط في الأكل أو التعاطي أو التخلي عن أشخاصٍ مقربين دون سببٍ واضحٍ، إلخ.
- ربما حتى محاولة إيذاء النفس أو الانتحار.
علاج اضطراب الشخصية الحدية
يعتمد العلاج بالأساس على العلاج النفسي (Psychotherapy) وذلك باستخدام أساليب العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أو العلاج الجدلي السلوكي (DBT) أو العلاج الجماعي (Group Therapy) وغيرهم من أساليب العلاج النفسي.
وأهداف العلاج تشمل:
- تعلم كيفية التعامل مع المشاعر والسلوكيات وبناء علاقات أفضل مع الآخرين.
- تبني أنماط تفكيرٍ صحيةٍ.
- الاختلاط بالآخرين وكيفية التعبير عن الذات.
- التعامل مع مشكلات الطفولة إن كانت من بين أسباب الاضطراب
وقد تمتد مدة العلاج النفسي لعامٍ كاملٍ أو نحوه. والحق أن الاضطراب يلازم صاحبه على مدار حياته، ولا يعني هذا أن التعامل معه غير ممكنٍ بل العكس لكن لا نتوقع أن تختفي الأعراض تمامًا. أما عن العلاجات الدوائية فلا تُستخدم عادةً إلا لعلاج بعض الأعراض وذلك بصفةٍ موقتةٍ.
خاتمة ومصادر المقال
قدمت صورةً موجزةً لاضطراب الشخصية الحدية، وأوضحت كيف تؤثر أعراضه على مزاج صاحب الاضطراب وعلى صورته عن نفسه وعلاقته بالآخرين. وبينت الأسباب المحتملة لحدوثه وكيفية علاجه مع التأكيد على أن أصحاب الاضطراب يستطيعون أن يعيشوا حياةً طبيعيةً وإن تطلب ذلك اللجوء لمختصٍ.
وقد اعتمدت المصادر الآتية عند كتابة المقال:
- Oxford handbook of psychiatry (Fourth ed.)
- https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/borderline-personality-disorder/symptoms-causes/syc-20370237
- https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/9762-borderline-personality-disorder-bpd
- https://www.hopkinsmedicine.org/health/conditions-and-diseases/borderline-personality-disorder