كيف نربي أطفالًا أصحاء نفسيًا في عالم سريع ومُرهِق ؟؟
كيف نُربي أطفالًا أصحاء نفسيًا في عالم سريع ومُرهِق ؟؟
في عالم يتسارع إيقاعه يومًا بعد يوم، لم تعد تربية الأطفال تقتصر على توفير الطعام والتعليم والملبس والمسكن، بل أصبحت الصحة النفسية حجر الأساس في بناء إنسان متوازن وقادر على مواجهة الحياة بصعوباتها. فالطفل اليوم ينشأ وسط ضغوط لم يعرفها من قبل: شاشات الهواتف والتلفاز التي لا تنطفئ، مقارنات مستمرة، توقعات عالية، وخوف دائم من الفشل. وسط هذا كله، يصبح دور الأهل أكثر أهمية وتعقيدًا وأعمق.
أولا ً : تربية طفل سليم نفسيًا هي الشعور بالأمان :
الأمان لا يعني الحماية الزائدة، بل أن يعرف الطفل أن هناك من يسمعه ويفهمه دون سخرية وتهكم أو خوف وتهديد. عندما يُعبّر الطفل عن حزنه أو غضبه، لا يحتاج إلى محاضرة، بل إلى احتواء وتوجيه . الاعتراف بمشاعره وتقديرها، حتى السلبية منها، يعلّمه أن مشاعره مقبولة وأنه ليس مضطرًا لإخفائها.
ثانيًا : الوقت الجيد أهم من الوقت الطويل :
في زحام الحياة، قد لا يستطيع الأهل قضاء ساعات مع أطفالهم، لكن عشر دقائق من انتباه كامل، دون هاتف أو انشغال، يمكن أن تصنع فرقًا كبيرًا. هذا الوقت يمنح الطفل شعورًا بالقيمة، ويعزز ثقته بنفسه وبمن حوله.
ثالثاً : تعليم الطفل التعبير عن مشاعره بالكلمات :
مهارة نفسية أساسية. كثير من السلوكيات العدوانية أو الانسحابية لدى الأطفال ما هي إلا تعبير غير مباشر عن مشاعر لم يجدوا لها لغة. عندما نساعد الطفل على تسمية ما يشعر به سواء حب أو كره أو خوف، غيرة، إحباط . نمنحه أداة تحميه نفسيًا على المدى الطويل كما أن الطفل لا يحتاج أن يكون الأفضل دائمًا، بل أن يكون مقبولًا كما هو. التركيز المفرط على الدرجات والإنجازات قد يخلق طفلًا ناجحًا ظاهريًا لكنه قلق داخليًا. المدح يجب أن يكون موجهًا للجهد وليس للنتيجة فقط، حتى يتعلم الطفل أن قيمته لا ترتبط بالنجاح وحده. كما يمكن أن نُلخص ذلك في نقاط وعي كالتالي :
- نعلّم الطفل أن مشاعره ليست خطأ : حيث يُعلم الطفل يتعلم أن ذلك الأمر مسموح، وأن التعبير عنه آمن.

- نُنشئ مساحة آمنة للحوار اليومي : وهذا يُعلم الطفل أن الكلام لا يقود دائمًا للعقاب.
- نفهم الطفل أن الحياة نجاح وفشل : يساعد على نشأة طفل يتحمل المسؤولية دون شعور بالعار.
- نربـــط القيمة بالجهـد لا بالنتيجــة : وهذا يحمي الطفل من القلق والكمال الزائد.
- نعلّـــم الطفــل تسميـــة مشاعــــره : حيث أن الطفل الذي يعرف اسم مشاعره أقل عرضة للسلوك العدواني.
- نُخفف ضوضـاء العالـم من حولــه : حيث أن هذا يعلّم الطفل الاسترخاء وتنظيم ذاته.
- نكون قدوة في الاعتراف بالمشاعر: وهذا يعلم الطفل أن المشاعر تُدار ولا تُكبت.
- نضـع حــدودًا ثابتــة بلغــة هادئــة : حيث أن الحدود الواضحة تمنح الطفل أمانًا نفسيًا.
- نُشجـــــع التعبيـــر بــــدل الكبـــــــت.
- نُشعر الطفل أنه محبوب دون شروط.
ولا يمكن إغفال دور القدوة. الطفل لا يتعلم مما نقوله بقدر ما يتعلم مما نفعله. عندما يرى أهله يتعاملون مع التوتر بهدوء، ويعترفون بأخطائهم، ويطلبون المساعدة عند الحاجة، فإنه يتعلم أن الصحة النفسية أولوية وليست ضعفًا.
أخيرًا، يجب أن نتذكر أن تربية طفل سليم نفسيًا لا تعني تربيته بلا مشاكل، بل تربيته وهو يمتلك الأدوات الداخلية للتعامل مع هذه المشاكل. في عالم سريع ومُرهِق، أعظم هدية نقدمها لأطفالنا هي عقل مطمئن، وقلب يشعر بالأمان، ونفس تعرف أنها ليست وحدها.