كيف ان تؤثر وسائل التواصل الاجتماعى على العلاقات الانسانيه

كيف ان تؤثر وسائل التواصل الاجتماعى على العلاقات الانسانيه

Rating 5 out of 5.
1 reviews

وسائل التواصل الاجتماعىimage about كيف ان تؤثر وسائل التواصل الاجتماعى على العلاقات الانسانيه

— أثر وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الإنسانية: فوائد ومخاطر 

منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تغيّرت طريقة تواصل البشر بشكل غير مسبوق. في السابق كان التواصل يقتصر على اللقاءات المباشرة أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل الورقية، أما اليوم فمجرد ضغطة زر واحدة كفيلة بأن توصلك بأي شخص في أي مكان في العالم. هذه الطفرة التقنية أحدثت ثورة حقيقية في حياة الأفراد والمجتمعات، لكنها في الوقت نفسه تركت أثرًا عميقًا ومعقدًا على العلاقات الإنسانية، يجمع بين الفوائد الكبيرة والمخاطر التي قد تهدد طبيعة الروابط بين الناس.

الفائدة الأولى لوسائل التواصل الاجتماعي هي قدرتها على تقريب المسافات. ملايين الأشخاص صاروا قادرين على التواصل مع أسرهم وأصدقائهم حتى لو كانوا على قارات مختلفة. الطالب الذي يسافر للدراسة، أو العامل الذي يسافر بحثًا عن الرزق، لم يعد يشعر بنفس درجة الغربة التي كانت موجودة قبل سنوات، لأن مكالمات الفيديو والرسائل الفورية تمنحه شعورًا بأنه لا يزال قريبًا من أحبائه. هذا القرب الافتراضي ساعد كثيرًا في الحفاظ على العلاقات الأسرية والعاطفية رغم بعد المسافات.

كذلك أتاحت هذه الوسائل فرصة لبناء مجتمعات جديدة قائمة على الاهتمامات المشتركة. فمثلًا، شخص يحب القراءة يستطيع أن ينضم إلى مجموعة للكتب يناقش فيها آراءه مع آخرين من مختلف الجنسيات. وآخر مولع بالرياضة يجد مجتمعًا إلكترونيًا يشاركه حماسه ويتبادل معه الأخبار والتحليلات. هذه المجتمعات الافتراضية وفّرت للناس دعمًا نفسيًا واجتماعيًا لم يكن متاحًا بسهولة من قبل.

لكن في المقابل، لا يمكن إغفال أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يحمل مخاطر حقيقية. كثير من الناس أصبحوا يعيشون في عزلة اجتماعية رغم وجودهم الدائم على الشبكة. المفارقة أن الشخص قد يكون محاطًا بآلاف "الأصدقاء" على فيسبوك أو المتابعين على إنستجرام، لكنه في الواقع لا يجد من يجلس معه وجهًا لوجه ليستمع إلى همومه. هذه العزلة تؤثر ببطء على الصحة النفسية، حيث يشعر الإنسان بأنه منفصل عن واقعه رغم اتصاله الدائم بالعالم الافتراضي.

ومن المخاطر أيضًا ظاهرة المقارنة السلبية. الصور المثالية التي يشاركها الناس على صفحاتهم تجعل الآخرين يشعرون بالنقص، وكأن حياتهم أقل قيمة أو متعة. شخص يرى أصدقاءه يسافرون باستمرار أو يعرضون نجاحاتهم، قد يظن أن حياته بلا معنى، في حين أن هذه الصور لا تعكس بالضرورة الواقع، بل مجرد لقطات مختارة بعناية. هذه المقارنة المستمرة تُضعف تقدير الذات وتزيد القلق والاكتئاب، خاصة بين الشباب والمراهقين.

إدمان الشاشة خطر آخر يهدد العلاقات الإنسانية. كثير من الأزواج والأصدقاء يشتكون أن الطرف الآخر يقضي ساعات طويلة ممسكًا بهاتفه بدلًا من التحدث أو مشاركة اللحظات الواقعية. هذا الاستخدام المفرط يقلل من جودة العلاقات ويجعل الروابط أكثر سطحية. بعض الدراسات أثبتت أن قضاء وقت طويل أمام الهاتف يقلل من جودة النوم، ويؤثر على التركيز، ويزيد من حدة التوتر، وهو ما ينعكس سلبًا على طريقة تعامل الشخص مع من حوله.

ومع ذلك، الحل ليس في التخلي عن وسائل التواصل، فهي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا الحديثة. الحل يكمن في الاستخدام الواعي والمتوازن. من المفيد أن يحدد الفرد وقتًا معينًا يوميًا لا يتجاوز فيه استخدام هذه المنصات، وأن يخصص أوقاتًا أخرى للتواصل الواقعي مع أسرته وأصدقائه. يمكن مثلًا أن يقرر أن وقت تناول الطعام يكون خاليًا من الهواتف، أو أن يحدد ساعة في المساء للحديث المباشر مع أسرته بعيدًا عن الشاشات.

كما أن من المهم اختيار المحتوى الذي نتابعه بعناية. بدلًا من متابعة أشخاص يجعلوننا نشعر بالنقص أو الضغط، يمكن أن نتابع حسابات تعليمية أو تحفيزية أو مفيدة. بهذه الطريقة يصبح السوشيال ميديا مصدر إلهام ومعرفة، بدلًا من أن يكون سببًا للتوتر والقلق.

في النهاية، وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية جدًا، لكنها كأي أداة يمكن أن تكون بنّاءة أو مدمّرة حسب طريقة استخدامها. إذا استطعنا أن نتحكم فيها بدل أن تسيطر هي علينا، فسوف نستفيد من مزاياها دون أن نقع في فخ سلبياتها. العلاقات الإنسانية الحقيقية تظل في حاجة إلى دفء اللقاءات الواقعية ونبرة الصوت ونظرة العين، وهذه أمور لا يمكن لأي شاشة أن تعوضها. التوازن هو كلمة السر؛ أن نستخدم هذه الوسائل للتقريب لا للتباعد، وللدعم لا للمقارنة، وللتواصل الحقيقي لا للانعزال.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

13

followings

17

followings

5

similar articles
-