
الأرق: لماذا لا نستطيع النوم رغم التعب؟ الأسباب العلمية وطرق العلاج الحديثة

هل سبق أن أغلقت عينيك مرهقًا، لكن النوم رفض أن يأتي؟
هذه التجربة، التي يُطلق عليها الأرق، أصبحت من أكثر مشكلات العصر شيوعًا. تشير الدراسات الحديثة إلى أن أكثر من 30% من البالغين يعانون من اضطرابات في النوم بدرجات متفاوتة.
الأرق ليس مجرد صعوبة في النوم؛ بل هو اضطراب معقد يرتبط بالحالة النفسية والجسدية ونمط الحياة، وقد يتحوّل مع الوقت إلى مشكلة تؤثر في التركيز، المزاج، وصحة القلب والمناعة.
في هذا المقال سنتناول الأرق من منظور علمي دقيق:
ما أسبابه؟ كيف يؤثر على أجسامنا؟ وما هي الطرق الحديثة لعلاجه دون الاعتماد على الأدوية؟
ما هو الأرق علميًا؟
يُعرَّف الأرق بأنه اضطراب في عملية النوم يتمثل في صعوبة الدخول في النوم، أو الاستمرار فيه، أو الاستيقاظ المبكر دون القدرة على العودة للنوم.
يصنَّف الأرق إلى نوعين رئيسيين:
- أرق مؤقت: يستمر لأيام قليلة نتيجة ضغوط أو تغييرات في الروتين اليومي.
- أرق مزمن: يستمر لأسابيع أو شهور، ويحتاج لتدخل علاجي لأنّه غالبًا يرتبط باضطرابات نفسية أو جسدية.

أعراض الأرق الأكثر شيوعاً
وللأرق أعراض وأكثرها شيوعاً تتمثل في :
- صعوبة في النوم.
- الاستيقاظ عدو مرات خلال الليل.
- الاستيقاظ مبكراً جداً قبل أخذ القسط الكافي من النوم.
- شعور بالإرهاق والنعاس أثناء النهار.
- مزاج سيء وصعوبة في التركيز.
- تكون عرضة بشكل أكبر للأخطاء.
الأسباب العلمية للأرق
تختلف الأسباب من شخص لآخر، لكنها غالبًا تتداخل في ثلاث مجموعات رئيسية:
1. أسباب نفسية
القلق والتوتر: يزيدان من إفراز هرمونات التنبيه مثل الكورتيزول، ما يمنع الجسم من الدخول في مرحلة الاسترخاء.
الاكتئاب واضطراب المزاج: يغيّران من توازن المواد الكيميائية في الدماغ المسؤولة عن النوم.
2. أسباب جسدية
اضطرابات الغدة الدرقية.
الآلام المزمنة أو مشاكل الجهاز التنفسي.
اضطراب الساعة البيولوجية بسبب السفر أو السهر المستمر.
3. أسباب سلوكية
الإفراط في تناول الكافيين أو النيكوتين.
استخدام الشاشات قبل النوم، إذ تعيق الإضاءة الزرقاء إفراز هرمون الميلاتونين.
قلة الروتين اليومي للنوم والاستيقاظ.

كيف يؤثر الأرق على الجسم والعقل؟
الأرق لا يقتصر على الشعور بالتعب فقط، بل يسبب سلسلة من التأثيرات العميقة:
ضعف الذاكرة والانتباه: إذ تتأثر عملية تثبيت المعلومات خلال النوم العميق.
تغيّرات المزاج: تزداد معدلات القلق والعصبية والاكتئاب.
ضعف المناعة: لأن قلة النوم تقلل إنتاج خلايا الدفاع المناعية.
زيادة خطر الأمراض المزمنة: مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
دراسة نُشرت في Journal of Sleep Research أكدت أن الأشخاص الذين ينامون أقل من 6 ساعات يوميًا لديهم احتمالية أعلى للإصابة بمشكلات صحية بنسبة 25%.

استراتيجيات علمية لعلاج الأرق
1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT-I)
يُعتبر الخيار العلاجي الأول وفق الجمعية الأمريكية لطب النوم.
يعتمد على:
تعديل الأفكار السلبية حول النوم.
تدريب الدماغ على ربط السرير بالنوم فقط وليس بالقلق أو التفكير.
الالتزام بجدول نوم ثابت.
2. تحسين بيئة النوم (Sleep Hygiene)
اجعل الغرفة مظلمة وهادئة ودرجة حرارتها معتدلة.
تجنّب الكافيين بعد الرابعة مساءً.
ابتعد عن الشاشات قبل النوم بساعة على الأقل.
مارس تمارين التنفس أو التأمل الخفيف.
3. النشاط البدني المنتظم
30 دقيقة من المشي أو الرياضة الخفيفة يوميًا تساعد على توازن الهرمونات وتحسين جودة النوم بمرور الوقت.
متى تحتاج إلى استشارة الطبيب؟
يجب مراجعة الطبيب إذا:
- استمر الأرق لأكثر من 3 أسابيع متتالية.
- أثّر في الأداء اليومي أو المزاج.
- رافقه صداع متكرر أو خفقان أو ضيق في التنفس أثناء النوم.
قد يصف الطبيب في هذه الحالات علاجات قصيرة المدى من المنومات أو أدوية تنظم الساعة البيولوجية، لكن تحت إشراف طبي صارم فقط لتجنب الاعتماد عليها.
الأرق ليس ضعفًا في الإرادة ولا مجرد "قلة نوم"، بل هو علامة تحتاج إلى فهم وتوازن.
تبدأ رحلة التعافي غالبًا بخطوات بسيطة: تنظيم الوقت، تهدئة الفكر، والاعتناء بالجسد.
النوم الجيد ليس رفاهية، بل هو حجر الأساس لصحةٍ عقلية وجسدية متكاملة.
ومن واقع تجربتي الشخصية وجدت أن النوم العميق يأتي مع راحة البال، فاللهم ارزقنا راحة البال ونعمنا بصحتنا وقوتنا واجعلها الوارث منا.