الاهتمام من منظور علم النفس
الاهتمام: هو اتجاه نفسيّ إلى تركيز الانتباه حول موضوع معيّن. ومصدرها اهتمَّ، يهتم اهتماما بشيء ما أو أمر ما . يقال في اللغة له اهتمامات فنية، أي أن تركيزه منصبٌّ على موضوع فني ويقال يقع في دائرة اهتمامه. •وأيضا يستخدم مصطلح إثارة الاهتمام: إثارة المرء بفكرة ما، بحيث يرغب في التعرُّف على دقائقها، وبناء صورة معرفية بشأنها. أي انشغل بأمرهم واعتنى بهم يقال في اللغة العربية أيضا اهتمَّ فلانٌ بالفقراء واليتامى شرُّ العيوب الاهتمام بعيوب الناس. •ويقال في اللغة أيضا لا يُعير الأمر اهتمامًا أي لا يبالي به.في كتابه “مبادئ علم النفس”، يُحدد عالم النفس والفيلسوف البارز ويليام جيمس تعريفه للانتباه فيقول: “هو حيازة العقل بشكل واضح وحاد لفكرة واحدة من بين الأفكار العديدة التي تمشي في قطاراتنا الفكرية، وبالتالي فهذا يعني انسحابنا من بعض الأشياء والأفكار للتعامل مع الفكرة التي اخترناها تحديدا”. وهذا يعني إرادتنا التامة في تصويب انتباهنا تجاه فكرة مُعينة وجعلها مركز النظر ومحط اهتمامنا، بالتزامن مع تجاهل أمور وأفكار عدة. لو عَكَسنا الآية، وحاولنا تعريف اهتمام الغير بما يهمهم، فهو أيضا إرادتهم التامة في تصويب نظرهم نحو فكرة من بين أفكار قطاراتهم الفكرية، هكذا ببساطة. تخيّل أنك استعرت كتابا من صديق قام بتظليل بعض الجمل التي اعتبرها اقتباسات مُهمة، أنت بلا وعي ستُركز على هذه الجمل باللون الأصفر وستُحاول أن تستنبط الفكرة الأكثر أهمية التي ظلّلها صديقك. لقد كانت هذه محاولة للتحكّم بك عن بُعد، دون نية لفعل هذا. وتخيّل معي أيضا أن يأتي هذا الصديق لزيارتك في المنزل، ويقف أمام مكتبتك ليأخذ كتابك وقلم ملاحظاتك، ويُظلّل -دون استئذان- ما يُريدك أن تراه مُهما! هذا بالضبط ما يفعله أصدقاؤنا أو أحد معارفنا، أو ربما نحن أنفسنا حين نُبالغ في طلب اهتمام الغير، حين نصرخ طالبين الغير أن يتجاهلوا قطاراتهم الفكرية ليُركّزوا على ما نراه نحن الأهم؛ حياتنا، مشكلاتنا، أو رُبما قد لا نملك شيئا مُقنعا، ولكننا نُريد أن تتوجه أعينهم نحونا. فمتى يُصبح طلب الاهتمام ضيفا لا يُرحب به أحد؟
قبل الحُكم على الغير..
لا شك أن طلب الاهتمام يعدّ حاجة بشرية، جميعنا -بشكل أو بآخر- نُحب أن نشعر باهتمام الآخرين، وهذا بديهي. فانعدام الاهتمام يُشعرنا بالوحدة، والإهمال، والتهميش، وبأنه تم التخلي عنا إلى حدٍّ ما. بعض الأشخاص الذين يتعرضون لسوء المعاملة أو للتهميش -حسب معاييرهم الشخصية- تتجه عقولهم إلى التعويض “بطلب الاهتمام” لملء هذا الفراغ طلب الاهتمام بشكل حقيقي أو بافتعال الحاجة إليه؛ كالشفقة والتعاطف والحزن وغيرها. فيُمكن اعتبار البحث عن الاهتمام بمنزلة صرخة اللا وعي للحصول على المساعدة. ولكننا جيدون -نسبيا- في الحُكم على الغير بأنهم يستجدون انتباهنا، فماذا لو كان لا وعينا يصرخ أيضا ويستجدي الانتباه دون أن نشعر؟ عدة سيناريوهات يُمكن اعتبار فاعلها شخصا يسترعي اهتمام الغير، وعلينا الانتباه أيضا أننا يُمكننا أن نكون نحن -أنفسنا- مَن نسترعي الاهتمام دون أن نشعر، لا لحاجة سوى أن نكون محط اهتمام لا أكثر، بطلب تعاطف دون مناسبة، بطلب مساعدة لا نحتاج إليها، أو حتى بمحاولة الاستحواذ على وقت الغير مهما كانت الوسيلة (الكذب، التظاهر بالمرض، وغيرها)، ومن الأمثلة على ذلك:
- التظاهر بأنك غير قادر على فعل شيء ما: عندما تكون قادرا تماما على فعله ولكنك تتظاهر بجهلك لاستقطاب شخص يعتني بك ويفعل ما لا تستطيع القيام بفعله -رغم استطاعتك .
- * الرغبة في المديح وجمع المجاملات: حسنا، نحن نفعل هذا أحيانا مع كل قصة شعر جديدة أو إنجاز جديد، لكن الإكثار من تكرار الإنجازات الشخصية مهما كانت ضئيلة يمكن اعتبارها جرس إنذار يُنبهك برغبتك في اقتناص المجاملات لا أكثر.
- عالمك يدور حولك: تستمتع بالنصائح التي يُقدمها لك الغير، حيث تكتسب التعاطف، ولكنك نادرا ما تفعل المثل. إن أساسيات آداب الحديث تقتضي تفاعلا بين طرفين، لكنك تكتفي بالحديث عن نفسك واستقبال ما يدور حولك، دون أن تسأل عن حياة الغير أو تُحاول أن تُقدِّم النصح.
- مثير للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي: هم كُثر، إن كنت شخصية تطرح مواضيع ونقاشات مُثيرة للجدل، لا سعيا لنقاش جاد، بل لإثارة المشكلات وتسليط الأضواء عليك مهما كانت العواقب.
- منشوراتك تتسم بالغموض و”الدراما”: أن تستند إلى نشر منشورات مُبهمة حول شيء حدث معك، وتنتظر من الآخرين أن يُبادروا بسؤالك عن الخطب.
- تستمتع بكونك “مَركَز الثرثرة”: البعض يستمتع بكونه مَركز الانتقاد، أو الثرثرة، حتى لو كان سلبيا، والبعض أيضا يبحث عن إثارة إعجاب الغير جنسيا، حتى لو كانوا مرتبطين بأشخاص آخرين.
- تُبالغ وتُبالغ ولا تكف عن المُبالغة: تسعى لجعل كل قصصك مأساوية أكثر مما هي عليها، وكل حدث مهما كان عاديا تُثابر لإلباسه ثوب الحزن، رغبة في كسب التعاطف.
- التذمر والشكوى: تجد دائما ما تشتكي منه، وتفعل ذلك باستمرار، وتفشل في النظر إلى الجانب المُشرق أو الجزء الإيجابي في أي موقف.
كيف تتوقف إن كنت ممّن يُمارسون ما سبق؟ ………
- ممارسة شكل من أشكال الفن الإبداعي: إن القيام بشيء مُبدع هو شكل من أشكال التعبير عن النفس بطريقة صحيحة. يمكنك الاختيار بين الرسم، الغناء، الموسيقى، أو حتى الكتابة، على أن تضع بعين الاعتبار أنك تُمارس هذا من أجلك ومن أجل قيمتك الذاتية، لا من أجل أن تعرف رأي الآخرين بما تقوم به.
- استخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل بنّاء: بدلا من كتابة “لقد كان يوما سيئا، أود الزحف لحفرة والموت فيها” يُمكنك كتابة: “لقد مررت بيوم رهيب، هل هناك أي شخص متاح يمكنني الحديث معه عن هذا؟”. لا بأس من طلب الدعم بشكل مباشر، دون الحاجة إلى الالتفاف حول حاجتك بغموض ولمسة دراما.
اهتَم بالآخرين: تطوّع لمساعدة الآخرين في مجتمعك، بادر بالسؤال عن أحبائك وأقربائك ممن يُساندونك على الدوام. ولا تقارن نفسك بالآخرين، لأن هذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم الكفاية ويجرُّك لطلب المزيد من الانتباه والاهتمام.
المصدر: كتاب مبادىء علم النفس للكاتب والفيلسوف ويليام جيمز.