
الإحباط : سلوك إنساني معقد
أن الدافع عبارة عن حالة داخلية في الكائن العضوي بيولوجية فسيولوجية أو نفسية اجتماعية من شأنها أن تثير توتره وتخل باتزانه ، ومن ثم تحرك سلوكه وتحفزه إلى مواصلة نشاطه في وجهة معينة سعيا لإرضاء حاجته التي يرمى إلى إشباعها واستعادة توازنه، من هذه الدوافع ما هو بيولوجي فطري كحاجاتنا إلى الطعام والشراب والإخراج والجنس والاستطلاع ... الخ، ومنها ما هو اجتماعي مكتسب كالدوافع إلى الانتماء وإلى الحب، والتقدير والأمن وتحقيق الذات ... الخ.
هذه الدوافع قد تكون شعورية يعيها الفرد ويدركها خلال سعيه لإشباعها وقد تكون لا شعورية يجهل الفرد حقيقتها رغم استثارتها لنشاطه وتوجيهها لسلوكه.
أن السلوك الإنساني سلوك معقد ويعتبر محصلة لتفاعل مجموعتين من القوى والعوامل، إحداهما داخل الفرد ذاته والأخرى خارجه، أو بمعنى آخر هو نتاج لعلاقة دينامية بين الفرد بما يتمتع من مقدرات وخصائص وخبرات مختلفة من جانب، والظروف البيئية المادية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يحيا في إطارها من جانب آخر.
ومن شأن هذه القوى والظروف أن تؤثر بدرجة ما على إشباعاتنا لحاجاتنا، وعلى تحقيق لغاياتنا ، فقد تُيَسِر هذه الإشباعات أو تؤجل بعضها ، وقد تمنع بعضها.
وإذا ما أعيق الإشباع يقال أن الفرد قد أُحْبِطَ بدرجة ما. ويستحيل أن يستطيع الفرد تحقيق الإشباع الكامل لكل حاجاته في جميع الأحوال، أو يجد نفسه في ظروف تسمح له بذلك.
إن معظم الأفراد يتعرضون لمواقف إحباطية بدرجات متفاوتة تختلف باختلاف احتياجاتهم ورغباتهم، وأهدافهم وتوقعاتهم وظروفهم، وخبراتهم ومقدراتهم الجسمية والعقلية.
تعريف الإحباط:
حالة انفعالية غير سارة قوامها الشعور بالفشل وخيبة الأمل وإدراك الفرد بوجود عقبات أو عوائق تحول دون إشباعه.
أن مفهوم الإحباط ينصب أساساً على الجانب الانفعالي المتمثل في التأثيرات الوجدانية السلبية للموقف الإحباطي على الفرد؛ كمشاعر الفشل وخيبة الرجاء، والتبرم والضيق والقلق، والقنوط والاكتئاب.
وقد يصبح الشعور بالإحباط أشد وطأة على النفس وإيلاما لها في حالات من بينها:
- عندما يدرك الفرد أن الدوافع المعاق إشباعها، والأهداف المتنع تحقيقها هامة أو ضرورية وحيوية.
- عندما يدرك المرء أن العقبات والعوائق التي تحول دون إشباع دوافعه واحتياجاته شديدة ومستعصية- كالسجن السياسي ، أو تفشي الفساد والظلم – فالألم النفسي قد يكون غير محتمل إذا ما شعر الفرد باستحالة تجاوز العائق أو التغيير في الوضع القائم.
- عندما يقترب الفرد من هدفه ويوشك على تحقيقه ثم تنشأ عقبة ما تحول دون بلوغه، كأن يفقد طالب تقدير ممتاز على درجتين أو ثلاثن أو يجتاز المتقدم لكلية ما جميع اختبارات القبول ثم يخفق في آخر اختبار.
مصادر الإحباط:
يمكن تصنيف العوامل المسببة للإحباط كما يلي:
*عوامل شخصية ومصدرها خصائص الشخص ذاته وسماته ومن بينها ما يلي:
أ-عجزه الجسمي بسبب ضعف حالته الصحية العامة أو المرض أو الإعاقة الحاسية أو الحركية ... ا لخ.
ب-قصور استعداداته العقلية المعرفية كالذكاء والتفكير والمرونة والموهبة التي يستلزمها تحقيق هدف ما أو تعلم مهارة جديدة يرى نفسه محتاجا لها.
ج- سماته المزاجية الانفعالية المعوقة كالتشدد والضمير الصارم، والخجل، وضعف الثقة بالنفس والتردد والخوف ... الخ.
د-إدراكات الفرد لدوافعه ولحاجاته ولنفسه وللمواقف التي يخبرها، وما يسبغه على كل ذلك من أهمية ودلالة.
هـ - ضعف الحالة الدافعية العامة للفرد وما يترتب على ذلك من تكاسل وخمول وتواكل ولا مبالاة.
و- مقدرة الفرد على تحمل المواقف الإحباطية، فالاستجابة للمواقف الإحباطية تختلف باختلاف الأفراد ومقدراتهم على تحملها.
ز- مقدرة الفرد على مواجهة المواقف الصراعية، فعجزه عن حسم ما ينشأ داخله من رغبات وأهداف متعارضة.
*عوامل بيئية (خارجية المصدر):
تتمثل المصادر الخارجية للإحباط في بعض الظروف والعوامل البيئية غير المواتية والتي تخرج عن إرادة الفرد ما يلي:
- الظروف البيئية المادية الطبيعية: كالتضاريس والمناخ والطقس والضوضاء والتلوث البيئي.
- الظروف البيئية الاجتماعية والأسرية : كمعاملة الوالدين وأساليبهما في التنشئة.
ج-الظروف البيئية التعليمية المدرسية: كالنظم والمؤسسات التعليمية والمناهج الدراسية، والمعلمين ونظم الامتحانات وغيرها.
د-الظروف البيئية الاقتصادية: ومنها النظم الاقتصادية وسوق العمل والفرص المتاحة لتشغيل الأفراد والمستوى الاقتصادي والدخول والمرتبات ... الخ.
النتائج المترتبة على الإحباط:
حاول الباحثون دراسة نتائج الإحباط دراسة تجريبية وفقا لافتراضات مختلفة من بينها فرص الإحباط – العدوان لدولارد وزملاؤه، على أساس أن حدوث الإحباط يزيد من نزوع الفرد للاستجابة بطريقة عنيفة وعدوانية سواء بشكل صريح أم مضمر، فالعدوان دائما مؤشر على الإحباط، وفرص الإحباط – النكوص لباركر وزملاؤه ويقوم على أساس أن الفرد ينكص نتيجة المواقف الإحباطية إلى ممارسة أنماط سلوكية مبكرة وأساليب صبيانية غير ناضجة. وقد اشتق هذان الفرضان من كتابات فرويد . وقد وجهت هذه الأفكار بانتقادات من باحثين آخرين، وفيما يلي نناقش ذلك بالتفاصيل:
1-فرض الإحباط – العدوان:
افترض دولارد وزملاؤه (1939م) كما أثبتت نتائج بحوثهم أن العدوان نتيجة طبيعية ورد فعل للإحباط. وأن العدوان الناتج عن الإحباط إما يتجه بصورة مباشرة نحو مصدر إعاقة الفرد عن إشباع حاجته، أو يُرجأ بصورة مؤقته، أو يتم تحويل الاستجابات العدوانية وإزاحتها من موضوعها الأصلي إلى موضوع آخر. مثلما يقوم الموظف الذي منع عنه مديره الترقية المستحقة له بإزاحة عدوانه وإفراغه على أشياء أو أفراد آخرين، كأن يحطم جهاز الحاسوب الذي يعمل عليه، أو يثور على زملائه في العمل أو على زوجته وأولاده لأسباب تافهة..
2-فرض الإحباط – النكوص :
افترض كلا من رز باركر . دمبو ، ك – ليفين (1943م) أن الفرد في المواقف الإحباطية ينكص إلى أساليب سلوكية بدائية بسيطة تتسم بالتدهور في التفكير وعدم النضج والبنائية، وعدم الملاءمة سواء لطبيعة الموقف أم لعمره الزمني.
ويعاني هذا الفرض مما يعاني منه الفرض السابق، فكلاهما يقصر نتائج الإحباط على سلوك واحد هو إما العدوان أو النكوص عند جميع الأفراد وإغفال ما عدا ذلك، وهو ما دفع الباحثين إلى الاعتراض على تحديد نتائج سلوكية بعينها تترتب على الموقف الإحباطي .
الوقاية من الإحباط ومواجهته:
من المبادئ الواجب مراعاتها في عملية التنشئة الاجتماعية، وداخل مؤسساتنا التعليمية والتي يمكن أن تعيننا في هذا الصدد ما يلي:
- تنمية السمات المزاجية الانفعالية التي تساعد النشء على مواجهة الصراعات والإحباطات؛ كالثبات الانفعالي والمثابرة، والجلد وقوة العزيمة والتحمل والصبر.
- تجنب استخدام الأساليب اللاسوية في تنشئة الأبناء سواء من قبل الوالدين أو المعلمين؛ كالتفرقة والتذبذب في المعاملة، والتدليل والحماية الزائدة، والتسلط والتشدد والقسوة مما يؤدي إلى نمو شخصية مشوهة التكوين النفسي، خوافة غير ناضجة، عاجزة عن اتخاذ القرارات وتحمل المسئووليات.
- مساعدة النشء على إنماء مفهوم واقعي عن الذات، والاستبصار بإمكاناتهم ومقدرتهم الفعلية، وجوانب القوة والقصور في شخصياتهم لتمكينهم من وضع أهداف واقعية ومعقولة تتلاءم مع هذه الإمكانات .
- تنمية التفكير العلمي لدى النشء مما يعينهم على حل المشكلات، وربط النتائج بالأسباب التي أدت إليها.
- التخلي عن طرق تعليم القطيع، ومراعاة الفروق الفردية بين الأطفال، وتجنب الزج بهم في منافسات ومقارنات غير متكافئة قد لا يترتب عليها سوى الشعور بالعجز واليأس والدونية والإحباط نتيجة التفاوت في العمر أو درجة المهارة والخبرة .