الحزام الناري النطاقي: ألم خفي قد يلاحقك بعد جدري الطفولة

الحزام الناري النطاقي: ألم خفي قد يلاحقك بعد جدري الطفولة

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الحزام الناري النطاقي: ألم خفي قد يلاحقك بعد جدري الطفولة

image about الحزام الناري النطاقي: ألم خفي قد يلاحقك بعد جدري الطفولة
صورة لمرض الحزام  الناري

قد تبدأ هذه الحالة على شكل حكة أو احمرار في الجلد، تظنها حساسية و تخريش بسب الملابس. و خلال أيام تظهر فقاعات صغيرة و تقول لنفسك لا بد أنها أكزيما.

و لكن الفقاعات تكبر و تصبح حمراء، و الألم تزداد شدته.

عندها تعرف أنها مرض الحزام الناري، أو كما يُسمى في بعض الدول العربية "الزونا"، أو "داء المنطقة"، أو "هربس شينغلز". هذا المرض ليس مجرد حالة جلدية، بل يحمل في طياته ألماً عصبياً قد يتطور أحياناً و يتحدى النوم والحياة اليومية.

 

أنا الدكتور عبد الحميد حمد، استشاري و خبير عالمي في علاج الألم العصبي، بخبرة تزيد عن 30 عاماً، وقد ساعدت آلاف المرضى على مواجهة هذا الألم وفهمه والتغلب عليه. في هذا المقال، سأحدثكم عن كل ما يتعلق بالحزام الناري: من أسباب ظهور الفيروس، مروراً بأعراضه، وصولاً إلى أحدث العلاجات العلمية، سواء الدوائية أو التداخلية، مع نصائح عملية لتخفيف الألم واستعادة الحياة الطبيعية.

 

ما هو الحزام الناري؟

image about الحزام الناري النطاقي: ألم خفي قد يلاحقك بعد جدري الطفولة
ما هو الحزام الناري

 

الحزام الناري هو إعادة تنشيط لفيروس جدري الماء أو الحماق الخامل (Varicella Zoster Virus) الذي يصيب الإنسان عادةً في مرحلة الطفولة على شكل جدري الماء. بعد شفاء الجلد، لا يموت الفيروس، بل يختبئ في جذور الأعصاب والعقد العصبية، خلسةً، دون أن يزعج المصاب.

ومع تقدم العمر أو ضعف المناعة أو التوتر النفسي الشديد، قد يجد الفيروس الفرصة ليظهر من جديد، مسافراً عبر الأعصاب إلى الجلد، فيسبب ظهور فقاعات حمراء مؤلمة.

هذا المرض يصيب غالباً الأشخاص بعد عمر الخمسين، ويظهر تقريباً لدى 20% من المصابين سابقاً بجدري الماء، أي واحد من كل خمسة أشخاص. وأكثر الأعصاب المصابة هي الأعصاب الصدرية (T1-T12). لكن المكان الأخطر قد يكون عند إصابة العصب القحفي الخامس، أو "مثلث التوائم"، ولخطورة تأتي من الخوف على العين والرؤية.

ويحدث ذلك في 15-20% من الحالات على الوجه.

 

الألم العصبي التالي للهربس (PHN)

لا يمر وقت طويل حتى تشفى الفقاعات الجلدية، و لكن قد يستمر الألم عند بعض المرضى و هنا تبدأ المعاناة الشديدة. و يسمى هذا النوع بـ الألم العصبي التالي للهربس (Post Herpetic Neuralgia – PHN)، وهو ألم عصبي مزمن يستمر ثلاثة أشهر أو أكثر نتيجة إصابة و تهيج العصب.

و من صفات هذا الألم أن المريض:

  • يشعر بالحرق، أو الطعن بسكين، أو نفضات كهربائية متقطعة
  • و يكون الألم مستمراً أو يظهر على شكل نوبات
  • و يشتكي المريض من زيادة حساسية الجلد للمس، حتى الملابس أو الاستحمام قد تصبح تجربة مؤلمة تعكر حياة المريض.
  • و تكتمل دائرة المعاناة عندما تحصل صعوبة النوم و اضطراب في المزاج أو الحالة النفسية.

و هذا ليس مستغرباً، إذا كان ارتداء حمالة الصدر أو الفانلة، أو مجرد حركة بسيطة تجعل الجلد يشتعل ألمًا…

و هذا ما أراه و أسمعه من المرضى الذين يراجعون العيادة.

 

قصة من العيادة

image about الحزام الناري النطاقي: ألم خفي قد يلاحقك بعد جدري الطفولة
صورة بالذكاء الاصطناعي لحالة مرضية بالحزام الناري

 

أتذكر مريضة، "سارة"، في الخمسين من عمرها، جاءتني وهي بالكاد تستطيع النوم. الفقاعات الجلدية على صدرها اختفت، لكن الألم كان كأنها تمشي على الزجاج كل ليلة، وكل لمسة صغيرة تذكرها بالمعاناة. بدأنا بخطة علاجية متكاملة، شملت أدوية الأعصاب، لصقات لايدوكايين، وتحفيز كهربائي للجلد (TENS)، واليوم، بعد أشهر من المتابعة، استطاعت النوم بانتظام، واستعادة حياتها الاجتماعية.

تشخيص الألم العصبي

لتحديد إذا كان الألم ناجماً عن PHN، نستخدم مقاييس موثوقة مثل DN4، والتي تمنح الطبيب تشخيصاً دقيقاً وموضوعياً، وتساعد على تصميم خطة علاجية شخصية لكل مريض.

العلاج: خطوة بخطوة

 

1. الوقاية: المرحلة الأولى

أهم عامل هو الوقاية من تطور الألم العصبي التالي للهربس. و يكون بإعطاء الأدوية المضادة للفيروسات مبكراً و بجرعات عالية، وخصوصاً خلال أول 72 ساعة من بداية الأعراض فهذا يقلل بشكل كبير من شدة الألم لاحقاً.

  • أسيكلوفير (Acyclovir) و فالاسيكلوفير (Valacyclovir) هي الأدوية الأكثر فعالية
  • و ملاحظة مهمة، إن استخدام الكورتيزون ليس موصى به علمياً بشكل روتيني
  •  

2. العلاجات الدوائية العصبية:

في حال استمر الألم، نلجأ إلى أدوية متخصصة:

  • أدوية غابا (جابابنتين أو بريجابالين) لتثبيط نشاط العصب
  • مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل أميتريبتيلين ونورتربتيلين
  • مثبطات إعادة امتصاص النورإبينفرين الانتقائية مثل دولوكستين

هذه الأدوية فعّالة، لكنها قد تسبب أعراضاً جانبية، خصوصاً لدى كبار السن، لذلك يجب مراقبتها بعناية.

كما يمكن إضافة المكملات الغذائية والفيتامينات التي تغذي الأعصاب، لتعزيز التعافي.

 

3. العلاجات الموضعية

  • لاصقات لايدوكايين 5%: تعمل خلال 30 دقيقة لتخفيف الألم
  • كابسيسين (Capsaicin): و هي مستخلص من الفلفل الحار، تُستخدم لتقليل حساسية الجلد، ويمكن وضعها بتركيزات مختلفة حسب قدرة المريض على التحمل

هذه العلاجات تساعد على إزالة التحسس (desensitization) تدريجياً، مما يمنح المريض راحة ملحوظة مع الاستمرار في العلاج.

 

4. العلاجات التداخلية (Interventional)

تعتبر الإجراءات التداخلية حجر الزاوية في الحالات الصعبة:

  1. التيار الكهربائي العلاجي TENS: يرسل نبضات كهربائية خفيفة لتحفيز الأعصاب وتخفيف الألم، ويمكن استخدامه في المنزل
  2. حقن تريامسينولون مع مخدر موضعي: يقلل الالتهاب والألم بشكل فعال
  3. حقن البوتولينوم توكسين (Botulinum Toxin A): هو البوتكس الذي يستخدم في العيادات التجميلية، لكنه أثبت فعالية عالية في تخفيف ألم الحزام الناري، PHN، و تحسين النوم، وتقليل الحاجة للمواد المورفينية

و الدراسات أظهرت أن تأثير الحقن يبدأ بعد 7 أيام ويستمر نحو ثلاثة أشهر، مع انخفاض ملموس في الألم وتحسن في جودة الحياة.

قصة ثانية من العيادة

مريض آخر، "أحمد"، تعرض للحزام الناري بعد سن 60، واستمر الألم لأكثر من عام، مما جعله ينام ساعات قليلة جداً، ويشعر بالعجز النفسي. باستخدام نهج متعدد العلاجات، شمل أدوية الأعصاب، اللاصقات الموضعية، وتحفيز TENS، لاحظ تحسناً تدريجياً. وبعد جلسة حقن بوتكس، وصفه قائلاً: "كأن الألم يخف تدريجياً حتى اختفى شعور الشوك في جلدي".

هذه الحالات توضح أن الألم العصبي التالي للهربس ليس نهاية المطاف، بل يمكن السيطرة عليه واستعادة الحياة الطبيعية.

 

نصائح إضافية

د. بيرج، الشخصية المعروفة، اقترح تقنية مساج عميق على الجانب المقابل من الجسم، لتخفيف الألم بشكل تجريبي، وقد جربها بعض المتابعين ووجدوا تحسناً ملحوظاً، دون أي آثار جانبية.

 

الخلاصة

الحزام الناري النطاقي هو إعادة تنشيط فيروس الحماق، ويصيب الأعصاب مسببا فقاعات جلدية مؤلمة، وأحياناً ألم عصبي مزمن يُعرف بـ PHN.
الخطوة الأولى في العلاج هي الوقاية المبكرة باستخدام الأدوية المضادة للفيروسات، تليها خطة علاجية شخصية تشمل أدوية الأعصاب، العلاجات الموضعية، والإجراءات التداخلية ضمن نهج متعدد التخصصات.

إن التعامل المبكر والشامل مع هذا المرض يمكن أن يحمي من الألم المزمن، ويحسن النوم، ويعيد السيطرة على الحياة اليومية.

 

دعوة للقارئ

إذا شعرت يوماً بأعراض مشابهة، أو تعرف أحداً يمر بها، لا تنتظر. تواصل مع طبيبك، وابدأ خطة العلاج المبكر. الألم قابل للتخفيف، والجودة الحياتية قابلة للاستعادة.

شارك هذه المعلومات مع أحبائك، فقد تكون هذه المعرفة مفتاح أمل لشخص آخر.

تذكر، المعرفة قوة، والفهم طريق للتعافي.

روابط مهمة :

 الحزام الناري، الزونا، داء المنطقة، الهربس النطاقي، الألم العصبي التالي للهربس (PHN)كلمات مفتاحية ثانوية: فيروس الحماق، جدري الماء، علاج الألم العصبي، حقن البوتكس للألم، العلاجات الموضعية، أدوية الأعصاب، TENS، كابسيسين، لايدوكايين، الألم المزمن

هذه المقالة بقلم الدكتور عبد الحميد حمد الخبير العالمي لعلاج الألم 

والناشر صالح محمد محمد صالح 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

4

متابعهم

0

متابعهم

5

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.