الهوية الذاتية: من أنت بعيدًا عن دورك في حياة الآخرين؟

الهوية الذاتية: من أنت بعيدًا عن دورك في حياة الآخرين؟

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الهوية الذاتية: من أنت بعيدًا عن دورك في حياة الآخرين؟

التحرر من الأقنعة والعودة إلى الجوهر

في الحياة الاجتماعية، نلعب أدوارًا لا حصر لها: الأب/الأم، الابن/الابنة، الموظف، الصديق، الشريك. هذه الأدوار حيوية وتمنحنا الانتماء، لكنها في كثير من الأحيان تُصبح أقنعة سميكة تُخفي وراءها جوهرنا الحقيقي. يجد الكثيرون أنفسهم، في لحظة صمت أو انعزال، يتساءلون: من أنا حقًا بعيدًا عن دوري كـ "مُرضٍ للجميع"، أو "الموظف المجد"، أو "الداعم العاطفي"؟

الهوية الذاتية (Self-Identity) ليست مجرد قائمة أدوار؛ بل هي الفهم العميق لقيمك، شغفك، معتقداتك الأساسية، وقدراتك الفريدة، بغض النظر عن اعتراف الآخرين بها. وعندما ترتبط هويتنا بشكل كامل بأدوارنا الخارجية، نُعرِّض كياننا بالكامل لخطر الانهيار مع أي تغيير في هذه الأدوار.


 مخاطر ربط القيمة الذاتية بالدور الخارجي

الاعتماد الكلي على دور خارجي لتحديد قيمتك يُدخلك في "فخ الهوية المشروطة" الذي له تداعيات خطيرة:

1. الانهيار عند فقدان الدور

ماذا يحدث عندما تترك وظيفتك؟ عندما يكبر الأبناء ويغادرون المنزل؟ أو عندما تنتهي علاقة زواج أو صداقة؟ إذا كانت هويتك مرتبطة بالكامل بدورك كموظف ناجح أو كوالد مسؤول، فإن فقدان هذا الدور يعني فقدان الهوية بالكامل، مما قد يُؤدي إلى أزمة وجودية حادة، وشعور بالفراغ والقيمة.

2. إرضاء الآخرين (People-Pleasing)

كما ذكرنا سابقًا، الشخص الذي يستمد قيمته من دوره يسعى دائمًا لإرضاء الآخرين لضمان بقاء هذا الدور. هو يقول "نعم" دائمًا لضمان استمرار دوره كـ "الشخص اللطيف" أو "المتعاون"، حتى لو كان ذلك على حساب صحته وسعادته.

3. العيش بقيم الآخرين

عندما تعيش من خلال الدور، فأنت غالبًا ما تعيش وفقًا لتوقعات الآخرين وقيمهم، وليس قيمك أنت. قد تكرس حياتك لمهنة لا تحبها لأنها تُرضي العائلة، أو تتبع نمط حياة لا يُناسبك لمجرد الحفاظ على صورة اجتماعية معينة. هذا يُولِّد انفصالًا بين الذات الداخلية والذات المُعلنة.

4. فقدان البوصلة الداخلية

بدون وعي واضح بالهوية الذاتية المستقلة، يصبح اتخاذ القرارات صعبًا. يصبح سؤال "ماذا أريد؟" صعبًا جدًا لأن البوصلة الداخلية مُعطَّلة، وأصبحت تعتمد على رأي الآخرين وتوقعاتهم.


رحلة البحث عن "الأنا" الحقيقية

التحرر من قيود الأدوار يتطلب رحلة استكشاف داخلي شجاعة ومُتعمَّدة:

1. تحديد القيم الأساسية

ابدأ بسؤال نفسك: ما هي الأشياء الثلاثة الأكثر أهمية بالنسبة لي؟ (مثل: النزاهة، الحرية، الإبداع، العائلة، التعلم). هذه القيم هي جوهر هويتك. عندما تتخذ قراراتك بناءً على هذه القيم، حتى لو لم تُرضِ الآخرين، تشعر بالانسجام والقوة الداخلية.

2. ممارسة الانفصال عن الإنجاز

تعلَّم أن تفصل قيمتك كشخص عن أدائك أو إنجازاتك. ردد بوعي: "أنا كافٍ بغض النظر عن نتائج عملي." عامل الفشل على أنه حدث عابر، وليس تعريفًا لك كشخص.

3. استكشاف الأنشطة المستقلة عن الدور

خصص وقتًا (حتى لو كان صغيرًا) لممارسة هوايات أو أنشطة لا ترتبط بأي دور خارجي. لا تفعلها لإرضاء أحد، أو لتحقيق هدف، بل فقط لأنها تُمتعك. هذا قد يكون القراءة، الرسم، التأمل، أو المشي. هذه الأنشطة تُذكِّرك بأنك كيان منفصل ومستقل.

4. وضع الحدود الصحية

الهوية الذاتية القوية تتطلب حدودًا قوية. قول "لا" باحترام هو دفاع عن وقتك وطاقتك وقيمك. عندما ترفض شيئًا يتعارض مع هويتك وقيمك، فإنك تُؤكد لنفسك أن صوتك مهم، وأنك تُعطي الأولوية لرفاهيتك.

5. كتابة سرديتك الخاصة (Your Own Narrative)

ابدأ بكتابة قصتك الذاتية من منظورك أنت، وليس من منظور ما يراه الآخرون. اكتب نقاط قوتك، وعيوبك، والأشياء التي تحبها، وأهدافك الشخصية، بغض النظر عن مدى "توافقها" مع التوقعات الاجتماعية.


إن بناء هوية ذاتية قوية ومستقلة ليس عملًا أنانيًا؛ إنه فعل صحة عقلية وإثراء للعلاقات. عندما تعرف من أنت حقًا، تصبح علاقاتك أكثر صدقًا، ويصبح عطاؤك نابعًا من الامتلاء لا من الحاجة، وتتحول من شخص يلعب دورًا إلى شخص يعيش جوهره.

image about الهوية الذاتية: من أنت بعيدًا عن دورك في حياة الآخرين؟
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Reda Hamza تقييم 4.91 من 5.
المقالات

40

متابعهم

7

متابعهم

3

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.