المتنمر مش وحش.. ده مريض!".. رحلة داخل عقل "الجلاد" وكيف نعالجه قبل أن يدمر نفسه والآخرين
المتنمر مش وحش.. ده مريض!".. رحلة داخل عقل "الجلاد" وكيف نعالجه قبل أن يدمر نفسه والآخرين

عندما نسمع كلمة "تنمر"، تقفز إلى أذهاننا فوراً صورة الضحية المسكينة التي تبكي في الزاوية. ونتسابق جميعاً لمواساتها والدفاع عنها.. وهذا رد فعل طبيعي وإنساني.
لكن، هل فكرت يوماً في "الجلاد"؟ هل سألت نفسك: ما الذي يدفع إنساناً لإيذاء غيره والتلذذ بآلامهم؟ هل هو شرير بالفطرة؟ أم أنه "ضحية" أخرى تتخفى خلف قناع القوة والسيطرة؟
اليوم، سنقلب الطاولة، ونتحدث بصراحة وجرأة عن الصحة النفسية للمتنمر نفسه. وكيف نتعامل مع هذا الشخص (سواء كان ابنك، طالبك، أو شخصاً تعرفه) لننقذه من نفسه قبل فوات الأوان.
1. القناع الزائف.. لماذا يؤذون الناس؟
دعنا نتفق على حقيقة نفسية صادمة: الإنسان السوي، السعيد، والمشبع بالحب لا يتنمر. نقطة ومن أول السطر.
المتنمر في الغالب هو شخص يعاني من "جوع عاطفي" أو إحساس بالنقص. هو يشعر بالضآلة في داخله، وربما يتعرض هو نفسه للقهر في بيته أو من شخص أقوى منه.لذلك، هو يستخدم التنمر كـ "مسكن للألم". عندما يهين شخصاً آخر ويراه ضعيفاً أمامه، يفرز دماغه شعوراً مؤقتاً بالقوة والسيطرة ليعوض شعوره الداخلي بالعجز. هو يصرخ بلسان حاله: "أنا موجود.. أنا قوي"، لكنه يختار الطريقة الخاطئة لإثبات ذلك.
2. التربية هي "المصنع"
يقول علماء النفس: "المتنمر لا يولد متنمراً، بل يُصنع".
التعامل مع المتنمر يبدأ بالنظر إلى بيئته. غالباً ما نجد أن الطفل أو المراهق المتنمر يفتقد للتعاطف في منزله. قد يكون معتاداً على الضرب، الصراخ، أو الإهمال العاطفي.
هو تعلم درساً واحداً في بيته: "القوي يأكل الضعيف". لذا، عندما يخرج للمجتمع، يطبق هذا القانون ليحمي نفسه أو ليفرغ شحنة الغضب المكبوتة بداخله. فهمنا لهذا الأمر ليس "تبريراً" لفعله، بل هو أول خطوة لـ تعديل السلوك العدواني
3. العقاب وحده لا يكفي.. بل قد يزيد الطين بلة
في المدارس والبيوت، نتعامل مع المتنمر بأسلوب "الردع" فقط: فصل من المدرسة، ضرب، حرمان.
نعم، الحدود ضرورية، لكن العقاب القاسي دون علاج نفسي يحول المتنمر إلى "قنبلة موقوتة". سيزداد حقداً، وسيبتكر طرقاً أخبث للانتقام بعيداً عن الأعين.
الحل الحقيقي يكمن في "إعادة التأهيل":
تعليمه التعاطف: المتنمر لديه "عمى مشاعر". هو لا يدرك حجم الألم الذي يسببه. يحتاج لمن يجلس معه ويسأله: "تخيل لو كنت مكانه، بماذا ستشعر؟".
تفريغ الطاقة: توجيه طاقته العدوانية نحو الرياضة أو القيادة الإيجابية بدلاً من إيذاء البشر.
البحث عن السبب الجذري: هل يغار؟ هل يشعر بالوحدة؟ هل يريد لفت الانتباه؟ بمجرد علاج السبب، يختفي العرض (التنمر).
4. رسالة للأهل: "ابنك متنمر؟ لا داعي للذعر، ولكن تحرك"
أصعب لحظة على أي أب أو أم هي اكتشاف أن ابنهم هو "الشرير" في القصة.
أرجوك، لا تدافع عنه بالباطل ("ابني رجل"، "هو يدافع عن نفسه")، ولا تحطمه بالضرب.
اعتبر هذا جرس إنذار بأن الصحة النفسية لابنك في خطر. هو يستغيث بك بطريقة ملتوية. اقترب منه، افهم مخاوفه، وربما يكون الحل في زيارة أخصائي تعديل سلوك ليساعده على بناء ثقة حقيقية بنفسه لا تعتمد على تحقير الآخرين.
كلمه أخيره
المتنمر إنسان "متألم" قرر أن ينقل ألمه للآخرين بدلاً من علاجه.
نحن لا نحب أفعالهم، لكننا إذا أردنا مجتمعاً سوياً، فعلينا أن نعالج "المريض" بدلاً من الاكتفاء بطرده من المدينة. الرحمة والحزم معاً هما المفتاح لكسر دائرة العنف هذه.