القلق صديق مخفى أم عدو معلن؟

القلق صديق مخفى أم عدو معلن؟

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

القلق صديق خفى أم عدوى معلن؟

 

هل جربت أن تستيقظ في منتصف الليل وقلبك يخفق كأنك مطارد، بينما لا يوجد من يطاردك؟ أو أن تقف أمام الناس لتتحدث فيجف حلقك وتبدأ الأفكار السوداء في غزو عقلك: ماذا لو أخطأت؟ ماذا لو ضحكوا علي؟ ذلك الإحساس الذي يختبئ بين صدرك وعقلك، هو القلق. شعور متناقض، قد يبدو حاميًا في أوقات، لكنه قد يتحول إلى سجان خانق في أوقات أخرى.

القلق.. إنذار فطري:

القلق في جوهره ليس مرضًا ولا لعنة، بل هو آلية دفاعية بداخلنا. منذ القدم، كان الإنسان يحتاج إلى هذه الحالة من الاستنفار ليهرب من الخطر أو يواجهه. في عصرنا الحديث، لم نعد نطارد الحيوانات المفترسة، لكننا نواجه اختبارات جامعية، مقابلات عمل، أو مواقف اجتماعية صعبة. في هذه اللحظات يظهر القلق كصديق خفي، يمنحنا طاقة إضافية للتركيز، ويدفعنا إلى الاستعداد الجيد.

خذ على سبيل المثال الطالب الذي يستعد لامتحان مهم. لولا القلق الذي يشعر به، لما وجد دافعًا ليذاكر بجد. أو الموظف الذي يترقب عرضًا أمام مديره، فيحفزه قلقه على التدريب المسبق. هنا، يصبح القلق قوة دافعة، لا عقبة.

الوجه المظلم للقلق:

لكن، مثل أي شيء إذا زاد عن حده انقلب ضده، فإن القلق حين يتضخم ويتجاوز الموقف، يتحول إلى عدو معلن. يصبح مثل ظل ثقيل لا يفارقك، يلاحقك حتى في لحظات الراحة. يتسلل إلى نومك، فيحرمك من السكينة. يشتت تركيزك في العمل أو الدراسة. يزرع بداخلك خوفًا من المستقبل، وكأنك محاصر في دائرة لا نهاية لها من الاحتمالات السيئة.

الكثيرون يصفون القلق المزمن بأنه مثل "وحش غير مرئي" يجلس إلى جوارك في كل مكان. لا يصرخ، لكنه يهمس باستمرار: انتبه، ستفشل. كن حذرًا، سيسخرون منك. ماذا لو لم تنجح؟ هذه الهمسات المتكررة تتحول مع الوقت إلى جدار يمنعك من التقدم.

القلق المقنّع في حياتنا اليومية:

المثير أن القلق لا يعلن عن نفسه دائمًا بوضوح. أحيانًا يتخفى وراء أعراض جسدية: صداع متكرر، آلام في المعدة، تسارع ضربات القلب، أو تعب دائم بلا سبب طبي واضح. وقد تظن أن جسدك مريض، بينما الحقيقة أن عقلك يصرخ طلبًا للراحة.

وفي أحيان أخرى، يرتدي القلق قناع "التفكير الزائد". تجد نفسك عالقًا في سيناريوهات لم تحدث بعد: ماذا لو فقدت عملي؟ ماذا لو حدث مكروه لأحد أحبتي؟، فتصبح أسيرًا لمستقبل لم يأتِ بعد.

رسالة القلق الخفية:

رغم قسوته، إلا أن القلق ليس عديم الفائدة. هو مثل جرس إنذار يومض ليقول لك: هناك شيء يحتاج إلى تعديل. قد تكون رسالة من جسدك أنك ترهق نفسك أكثر من اللازم. أو نداء من قلبك أنك تكبت مشاعرك ولا تمنحها مساحة للتعبير. أو حتى إشارة من حياتك أنك تسير في اتجاه لا يتوافق مع قيمك وأحلامك.

في هذا السياق، يمكن أن نرى القلق كمعلم قاسٍ، لكنه صادق. فهو يجبرنا على التوقف، على المراجعة، على إعادة التفكير في اختياراتنا.

كيف نعيد التوازن؟

التصالح مع القلق لا يعني الاستسلام له، بل إدارته بذكاء. ممارسة الرياضة تمنحه منفذًا صحيًا للخروج، والتنفس العميق يساعد على تهدئة العقل. الكتابة تفرغ طاقته على الورق بدل أن تحتبس في صدورنا. والأهم من ذلك، طلب المساعدة من مختص نفسي ليس ضعفًا، بل شجاعة حقيقية، لأن مواجهة القلق تحتاج أحيانًا إلى من يضيء لنا الطريق.

بين الصديق والعدو:

إذن، القلق ليس شرًا مطلقًا ولا خيرًا مطلقًا. إنه حالة وسطية، تتوقف نتيجتها على كيفية تعاملنا معه. يمكن أن يكون وقودًا يدفعنا لتحقيق أحلامنا إذا استوعبنا رسائله، أو قد يصبح عدوًا ينهش طمأنينتنا إذا تركناه بلا حدود.

الحياة لن تخلو من القلق. لكن الفرق بين من يسمح له بأن يقوده نحو الخوف المستمر، ومن يحوله إلى بوصلة تساعده على النمو، هو وعيه وإدارته

 

في النهاية، ربما تكون الحكمة في أن نتعامل مع القلق كضيف غير مرغوب فيه لكنه مفيد، نزوره أحيانًا ونودعه سريعًا. فالحياة لا تخلو من التوتر، لكننا نستطيع أن نختار: إما أن نسمح له بأن يقودنا نحو الخوف المستمر، أو نستخدمه كإشارة تدفعنا للنمو والتوازن

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-