التنمّر وآثاره النفسية ( جرحٌ خفي يدمّر ثقة الطفل بنفسه ) : الأسباب والعلاج
التنمّر وآثاره النفسية ( جرحٌ خفي يدمّر ثقة الطفل بنفسه ) : الأسباب والعلاج
يُعدّ التنمّر من الظواهر السلوكية السلبية التي تُشكّل تهديدًا حقيقيًا للصحة النفسية، خاصة في البيئات المدرسية والمجتمعية، وهو سلوك عدواني متكرر يهدف إلى إيذاء شخص آخر جسديًا أو نفسيًا أو اجتماعيًا، مستغلًا ضعف الضحية أو استسلامها وعدم وجود رد فعل منها. ولا تكمن خطورة التنمّر في الفعل نفسه فحسب، بل في الآثار النفسية العميقة التي يخلّفها، والتي قد تستمر لسنوات طويلة.
أولًا: أسبــاب التنمّـــــر
تتعدد أسباب التنمّر وتتشابك، ومن أبرزها العوامل النفسية لدى المتنمّر نفسه، مثل الشعور بالنقص، أو الغضب المكبوت، أو الحاجة إلى السيطرة وإثبات الذات. وقد يلجأ بعض الأفراد إلى التنمّر كوسيلة لتعويض ضعفهم الداخلي أو فشلهم في بناء علاقات صحية.
كما تلعب البيئة الأسرية دورًا مهمًا، فالتنشئة القائمة على العنف أو القسوة أو الإهمال قد تُنتج طفلًا عدوانيًا يكرر ما يتعرض له داخل الأسرة. كذلك فإن غياب الرقابة والتوجيه، أو التساهل مع السلوك العدواني، يسهم في ترسيخ التنمّر كتصرف مقبول.
ولا يمكن إغفال العوامل الاجتماعية والثقافية، مثل التمييز على أساس الشكل أو الجنس أو الوضع الاقتصادي، إضافة إلى تأثير وسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية التي قد تُطبع العنف وتجعله أمرًا عاديًا. أما في العصر الرقمي، فقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار التنمّر الإلكتروني بسبب سهولة الإيذاء وغياب المواجهة المباشرة.
ثانيًا: الآثار النفسية للتنمّر
يخلّف التنمّر آثارًا نفسية عميقة على الضحية، أبرزها تدنّي تقدير الذات والشعور بالدونية وفقدان الثقة بالنفس. كما يعاني المتنمَّر عليه من القلق والخوف المستمر، خاصة في الأماكن التي يرتبط بها التنمّر، مثل المدرسة أو مواقع التواصل.
وفي حالات كثيرة، يتطور الأمر إلى اكتئاب نفسي يظهر في صورة حزن دائم، وانسحاب اجتماعي، واضطرابات في النوم والتركيز. وقد تصل الآثار إلى سلوكيات خطيرة مثل إيذاء النفس أو التفكير في الانتحار، خصوصًا عند الأطفال والمراهقين إذا غاب الدعم النفسي.
ولا تقتصر الأضرار على الضحية فقط، بل قد يؤثر التنمّر سلبًا حتى على المتنمّر نفسه، إذ يعزز لديه السلوك العدواني ويضعف قدرته على التعاطف وبناء علاقات إنسانية سليمة.
ثالثًا: العلاج وسبل المواجهة
يتطلب علاج ظاهرة التنمّر تدخلًا متكاملًا يبدأ بالوعي والوقاية. فتعزيز ثقافة الاحترام والتقبّل داخل الأسرة والمدرسة يُعدّ خطوة أساسية للحد من انتشار هذه السلوكيات. كما يجب تعليم الأطفال مهارات التعبير عن المشاعر وحل النزاعات دون عنف.
أما الضحايا، فيحتاجون إلى الدعم النفسي والاستماع الجاد لمشاعرهم، ومساعدتهم على استعادة ثقتهم بأنفسهم. وقد يكون العلاج النفسي، مثل الإرشاد أو العلاج السلوكي المعرفي، ضروريًا في الحالات الشديدة، ، ومن الممكن سرد ذلك في نقاط وهي كالتالي :
- - بناء علاقة آمنة مع الطفل تقوم على الثقة، ليشعر بالقدرة على التعبير عما يتعرض له دون خوف أو لوم.
- - تعليم الطفل مهارات التعبير عن المشاعر بالكلام بدل الكبت أو السلوك العدواني.

- - تعزيز ثقة الطفل بنفسه من خلال تشجيعه على نقاط قوته وقدراته الفردية.
- - تدريب الطفل على أساليب المواجهة الهادئة والحازمة بدل الاستسلام أو العنف.
- - وضع قواعد واضحة داخل الأسرة والمدرسة ترفض التنمّر وتحدد عواقبه بشكل ثابت.
- - متابعة سلوك الطفل يوميًا لاكتشاف أي تغيّرات نفسية مبكرة.
- - التعاون بين الأسرة والمدرسة لمعالجة المشكلة من جذورها لا بشكل فردي فقط.
- - تقويم سلوك الطفل المتنمّر عبر الحوار والتوجيه وليس العقاب القاسي.
- - إشراك الأطفال في أنشطة جماعية تنمّي التعاطف والعمل الجماعي.
- - الاستعانة بالأخصائي النفسي عند استمرار التنمّر أو ظهور آثار نفسية واضحة.
وفي الختام، فإن التنمّر ليس مشكلة فردية، بل مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الأسرة والمدرسة والمجتمع لحماية الصحة النفسية وبناء بيئة آمنة تُعلي من قيمة الإنسان وكرامته.